الصفحة الأساسية > العربية > أ > أدب

أدب

النثر الأدبي في الثقافة العربية الكلاسيكية

كل اصدارات هذا المقال: [عربي] [français]


في أواسط القرن الثاني الهجري/الثامن الميلادي، أي في أواخر العصر الأموي وبدايات العصر العباسي، وفي إطار حلقة كتّاب الدواوين النخبوية، أخذ بعض وجوه هؤلاء الكتاب ينظرون في العالم والقيم والأخلاق والجمال والثقافة، وفي ممارسة الحكم والمهن والمهامّ المتعلقة به وفي السلوك وعلاقات الأقران في ما بينهم وفي علاقة الحكّام بالأتباع والخاصّة بالعامّة. تمخّض هذا النظر عن النثر الأدبي ثم توسّع حقل تطبيق ما ترتّب على هذا النظر وتغيّرت معالمه فشكّلت تحت مسمّى «أدب» ركنًا أساسيًا من أركان الثقافة العربية-الاسلامية الكلاسيكية، ولا سيّما العبّاسية منها (ما بين عام 750 وعام 1258 ميلادي).

في العقود الأخيرة، بقيت مجموعة المصادر التراثية هي هي أو كادت. ولكنّه من المهمّ رغم ذلك أن نلقي نظرة نقدية على المقاربات التي اعتمدها الباحثون في دراستها إلى الآن، فنعيد صياغة المعارف المتوفّرة بشكل مجمل وجديد. هذه المرحلة ضرورية في الحالة الراهنة للبحث، قبل المباشرة بمعالجة رقمية شاملة للمصادر ودراسة نتائجها، وهو ما نتوقّع أن يكون مفيدًا ومثمرًا بأية حال.

تَدين هذه المساهمة ومؤلّفتها لكلّ الأعمال السابقة حول موضوع الأدب، بما في ذلك الدراسات التي لا تتّفق معها، ولا سيّما تلك التي أنجزت طيلة النصف الأول من القرن العشرين والتي تعقّبتها الأعمال اللاحقة دون أي بعد نقدي. ولن نذكر- في حدود هذا المقال- إلا خطوط «الأدب» البارزة، وأهمّ ممثّليه ومؤلّفاتهم الأكثر شهرة. ويستطيع القارئ الذي يريد التعمّق في التفاصيل أن يعود إلى المراجع التي أشرنا اليها على سبيل البيان في آخر الدراسة.

 عودة على بعض المسائل الدلالية

العادة المعهودة، التي نحذو حذوها، هي أن تباشر كلّ دراسة حول الأدب بمقاربة تعريفية، فتتطرّق الى تاريخ اللفظ ذاته، في استعمالاته الشائعة ومعانيه المتعدّدة، لتبيّن كيف شكّل الأدب عالمًا مغلقًا تصوّرت فيه النخبة العبّاسية حسن العيش وحسن القول وحسن الفعل كعناصر متمازجة تشكّل جميعًا كتلة واحدة. هذا التذكير الإجمالي بتعريفات «ادب»، وإن أدّى أحيانًا إلى ملل القارئ، سيتيح لنا فرصة الإشارة إلى قصور بعض الآراء التي طالما اعتُبرت أمرًا مفروغًا منه. وهو شرط مسبق لا بدّ من تحقيقه لإعادة ترتيب المعطيات حسب ما تتطلّبه المقاربة المعتمدة هنا والتي تعتبر الأدب بنية دينامية.

للفظ «أَدَبٌ» في اللغة العربية في أيّامنا – فصحاها وعاميتها - استعمالات متنوّعة في الحياة اليومية العامّة وعند أهل الاختصاص. وقد أدّى موقف المعجمية العربية القائم على الجمع (وهي معجمية ترجّح مقاربة لازمنية للمعنى فتعرض جنبًا الى جنب استعمالات اللفظة منذ ما قبل الإسلام إلى يومنا) إلى تعدّد في معاني «أدب» يقارب التضخّم الدلالي. فلفظة «أدب»، التي تشير أكثر ما تشير اليوم إلى «النصوص النثرية والشعرية الممتازة ببعد جمالي» أو إلى «التربية الحسنة»، تعني كذلك : العادات والسلوك والقواعد الأخلاقية والتهذيب وحسن المعاملة والأنس والثقافة العامة (في مختلف فروعها وتعدّد شعبها) والظرف والمعارف والمهارة التي تتطلّبها وظيفة أو مهمّة ما... وفي الوقت نفسه تحتفظ اللفظة بأقدم دلالاتها المعروفة وهي «الدعوة إلى الطعام»، فيعاد تنشيط معناها هذا واستخدامه في أي حين، لأنّ الأدباء يعتبرون هجره من الأعراض، والأمر على هذا في تصوُّر اللغة العربية في ذاكرة الجماعة.

لفظة «أدب» ومصادرها المفترضة

يمتدّ تاريخ لفظة «أدب» على ما يقارب خمسة عشر قرنًا، ومن هنا صعوبة الإحاطة به. وتعود أهميته إلى كون المقاربة اللسانية التعاقبية كثيرًا ما تبيّن وراء المعطيات التأثيلية والدلالية تأويلاً أو معنى ضمنيًا مرتبطًا بتاريخ الفكر كما سنرى فيما يلي.

ويتنافس تيّاران معجميان في تتبّع تاريخ اللفظة القديم بغية ابراز استمرارية ما بين مختلف استعمالاتها (استمرارية تتجلّى في علاقة منطقية أو تأثيلية أو دلالية أو تصريفية أو مجازية حسب الحالة).

الأدب وأصوله في التراث المعجمي العربي : معطيات تعريفية

يربط التراث المعجمي العربي لفظة «أَدَب» (بالدال المفتوحة) بالفعل الثلاثي «أَدَبَ» ويعتبره «اسم مصدر»، لأن المصدر من أَدَبَ هو أَدْب (بالدال الساكنة) ومنه المأدبة بمعنى «دعوة إلى الطعام». هذا التعريف هو الوحيد المفصّل في كتاب العين، الذي يعتبر أوّل قاموس للغة العربية، والذي اختلف في صحّة نسبته فقيل إنّ الكتاب كلَّه أو بعضه للخليل بن أحمد الفراهيدي (ت. 169/779) أو لبعض من تتلمذ عليه.

وبعد ذلك بقرنين، انتقل هذا التعريف إلى مرتبة ثانوية في المحيط في اللغة لمصنّفه الوزير والأديب ومشجّع الفنون الصاحب ابن عباد (ت. 385/995). فقد بدأ الصاحب باب «أدب» قائلاً «الأدب معروف متداول»، مشيرًا إلى أن اللفظة سائرة ومشهورة بحيث لم يعد من الضروري تعريفها.

ولعلّ لفظة «أدب» تحوّلت من معناها الأول «دَعوة إلى الطعام» إلى معانٍ لاحقة مختلفة عن طريق صرف اللفظ عن معناه الحقيقي إلى المجاز، كما علّل ذلك الجواليقي (ت. 539/1144) في شرح أدب الكاتب، أو ابن منظور فيما بعد (ت. 711/1311) في قاموسه الشهير لسان العرب : «سمي أدبًا لأنه يأدب الناس إلى المحامد وينهاهم عن المقابح. وأصل الأدب الدعاء».

وقد ربط ابن عبّاد مثل استاذه ابن فارس (ت. 395/1004) في كتاب مقاييس اللغة الفعل الثلاثي أَدَبَ بلفظة إدْب (بالهمزة المكسورة والدال الساكنة) بمعنى «عَجَب». ويبدو لنا أن الجواليقي أحلَّ لفظة أدَب (بالهمزة والدال المفتوحتين) محلّ لفظة إدْب مضيفًا الى تعريفه اعلاه تعريفًا آخر يضفي على الأدب معنى العَجَب، جاعلاً منه كناية عن الشيء العجيب : «فإذا كان من الأدب الذي هو العجب فكأنه الشيء الذي يعجب منه لحسنه ولأن صاحبه الرجل الذي يعجب منه لفضله». كرّر ابن منظور هذا الحدّ ومن بعده عبد القادر البغدادي (ت. 1093-1682) فاقتبسه من هذا الأخير المستشرق الإيطالي كارلو الفونسو نالينو Carlo-Alfonso Nallino (1872-1938).

محاولات الجواليقي التعريفية جديرة بالاهتمام لأنها تثبت ما واجهه من صعوبات في معالجة تعريفات أسلافه وإن كان عصره (القرن الخامس/ الثاني عشر) أقرب إليهم من عصرنا بكثير. فقد أضاف تعريفين إلى المعلومات المذكورة أعلاه وهما :

«والأدب الذي كانت العرب تعرفه هو ما يحسن من الأخلاق وفعل المكارم مثل ترك السفه وبذل المجهود وحسن اللقاء»

«واصطلح الناس بعد الإسلام بمدّة طويلة على أن يسمّوا العالم بالنحو والشعر وعلوم العرب أديبًا ويسمّون هذه العلوم الأدب وذلك كلام مولّد لأنّ هذه العلوم حدثت في الإسلام.»

الأدب وأصوله في التقاليد المعجمية الاستشراقية : بعض المعطيات التعريفية

تتبنّى المدرسة المعجمية الاستشراقية تلك الحدود، ولكنّها ترى تأثيلاً باطلاً في اعتبار أصل معنى «أدب» حصيلة صرف اللفظ عن معناه الحقيقي إلى المجاز. وتقترح أصلاً آخر قائمًا على ملاحظة جاء بها المستشرق الألماني كارل فولرس Karl Vollers (1857-1909). يرى فولرس أن «أدَبٌ» (بالدال المفتوحة) كما كانت تستخدم قبل الإسلام اسم مفرد مأخوذ من الاسم الجمع «آدابٌ» الذي مفرده الأوّل «دأب» (جذر د.أ.ب) بمعنى «العادة» أو «اتّباع طريق/ الامتثال بعرف...». أمّا «آداب» فأصلها «أدآب» (الجمع المتوقّع صرفيًا لدأب) وقد تحوّلت «أدآب» إلى «آداب» لعلّة صوتية. ومن هنا وفي مرحلة تالية أدرج المفرد الجديد «أدَبٌ» في باب الجذر «أ.د.ب» ليشهد تطوّره الخاصّ، فنتج عن ذلك أن «آداب» بدت وكأنها جمع «أدب» في حين أنّ «أدب» هو الذي أُخِذ من الجمع «آداب».

تستند هذه البرهنة إذن إلى أنّ «آداب» في النظام الصرفي والصوتي للغة العربية القديمة قد تكون في الوقت نفسه جمعًا لدأب ولأدب، خاصّة وأنّ الجذرين (أ.د.ب ود.أ.ب) مهموزان ويمكن أن يتحوّل أحدهما إلى الآخر عن طريق القلب المكاني. نلخص ما ورد عند فولرس Vollers :

مرحلة أولى : [متعلّقة بالجذر د.أ.ب] دأبٌ (مفرد)  أدآبٌ (جمع)  آدابٌ (جمع)  أدَبٌ (مفرد).

مرحلة تالية : [متعلّقة بالجذر أ.د.ب] أدَبٌ (لفظة جديدة، مفرد)  آدابٌ (جمع).

هذا الشرح مقبول ومنسّق، إلا أنه من المستحيل أن نؤكّد أو ننفي بشكل قاطع أنَّ هذا هو ما حصل بالفعل.

هذا الرأي الذي كان مجرّد ملاحظة تندرج في سياق أعمال فولرس Vollers عن اللغات السامية أو النصّ القرآني. تحوّل مع نالينو Nallino صاحب أوّل دراسة مفصّلة في لفظة أدب وتاريخها إلى أمر واقع. ولم تثر دراسة هذا الأخير التي قدّمها باللغة العربية في القاهرة سنة 1930، ثم طبعت باللغة الإيطالية سنة 1948 وترجمت إلى الفرنسية سنة 1950، إلاّ القليل من الاعتراض. منه تحفّظ المستشرق الهولندي سيجر أدريانوس بونيباكر Seeger Adrianus Bonebakker (1923-2005)، الذي اقترح من جهته بحذر (ربّما مبالغ فيه) أن يحصر تعريف الأدب في «تعليم ما يلزم الانسان المثقف». ويرتكز الاقتراح الأخير على مصادر أولى قليلة جدًّا كما أنها متأخّرة، منها الجواليقي (انظر أعلاه).

الأدب عند نالينو Nallino :

يباشر نالينو Nallino دراسته مشيرًا إلى أنّها تهدف إلى تحديد السبل التي جعلت لفظة «أدب» تتطابق مع letteratura. ويرسم لهذا الغرض الخطوط الاولى لمقاربة أرادها تعاقبية إلا أنها لم تكن كذلك، لأنّه اعتمد على استمرارية تكاد لا تأخذ الزمان في حسابها، إذ تمتدّ «منذ القرن الثاني الهجري إلى أيّامنا». ويؤدّي به ذلك أحيانًا إلى الترجّح ذهابًا وإيابًا بين عصور مختلفة، ما يشوّه بعض الشيء مقاربته.

وزّع نالينو Nallino المعطيات على ثلاث مراحل تاريخية :

فترة ما قبل القرن الثاني/الثامن (أي ما قبل الإسلام والقرن الهجري الأوّل) : و«أدب» خلالها بمعنى عادة أو نمط حياة ومنه التهذيب والأخلاق الحسنة (الكائنة في معرفة عادات القدماء وتعاليمهم وتقليدها)، أو معرفة شيء ما (ما يتعلّق بالأجداد).

القرن الثاني/الثامن، حيث تعود «أدب» حينئذ وحسب نالينو Nallino إلى الخلق الحميد وحسن التربية والأخلاق العملية والقواعد الاجتماعية بل وخصال النفس الحسنة (أي ما تدلّ عليه عبارة «أدب النفس»). ويرى من الضروري التفريق بين هذه المعطيات رغم طابعها الأخلاقي والمعطيات الأخرى المتعلّقة بالدين أو الفقه والمسمّاة «علم».

ما بعد القرن الثاني/الثامن، وبداية القرن الثالث/التاسع، ظهرت استعمالات جديدة للفظة أدب تداولها الناس باستمرار فيما بعد. وقد أشار نالينو Nallino من بينها إلى استخدام «أدب» بمعنى «جامع المعارف الدنيوية»، أو المعارف والقواعد الأخلاقية الخاصّة بفئة مهنية أو بوظيفة ما ( الكاتب، القاضي، النديم...) أو السلوك المناسب دون أن يكون هذا السلوك المناسب بالضرورة مرتبطًا بالأخلاق، وأخيرًا الظرف والأناقة المميزة. ومن هذا المعنى الأخير المتعلق باللطائف والطرف ورفض الملل في المجتمع ينتقل نالينو Nallino إلى استعمال «أدب» للدلالة على مصنّفات تحتوي على مختارات شعرية أو نوادر أو أخبار غريبة لا بدّ من معرفتها للانتماء إلى زبدة الخاصة. ومن هنا في رأيه سمّى بعض الخواصّ لا سيّما المعروفون بالظرفاء «أدبًا» كلّ المؤلفات المشتملة على نصوص نثرية وشعرية ممتازة ببعد جمالي، وهكذا أصبحت لفظة أدب توافق ما يسمّى letteratura.

رتّب نالينو Nallino حقلاً معرفيًا زاخرًا لذا فإنّ عمله يستحقّ التقدير مهما أثار من ملاحظات عند رجوعنا إليه اليوم. بيد أنّه من الأكيد أنّ الوسائل التي يوفّرها التوثيق الآلي ستتيح فرصة إضفاء المزيد من الدقة على هذا العمل وتصحيحه متى دعت الحاجة، عن طريق دراسة هي في آن واحد أكثر صرامة فيما يخصّ التسلسل الزمني وأضخم حجمًا فيما يخصّ مجموعة المصادر. وبما أنه لا يوجد اليوم وللأسف قاموس تاريخي للغة العربية فأنّ دراسة كهذه ستكون إسهامًا مفيدًا على أقلّ تقدير. إلاّ أنّه ينبغي بانتظار تحقيقها أن نواصل عرضنا، وأن نلفت الانتباه في الحالة الراهنة إلى ما تدعو إليه من تحفظّ مقاربة نالينو Nallino، التي ذكرنا خطوطها العريضة أعلاه.

بعض الملاحظات حول المقاربة الدلالية للفظة أدب

أدب، دأب وسُنَّة : ترادف أم تسلسل منطقي أم تعارض؟

أهمّ ما توفّره مقاربة فولرس Vollersوهي ركيزة مقاربة نالينو Nallino، خيط رابط يسمح لنا بأن نتتبّع التطوّر الدلالي للفظة «أدب» بقدر أدنى من الصعوبة. فمقاربته قد تبدو لنا وكأنّها ألغت قدر المستطاع كلّ الحلقات المفقودة في تاريخ هذا التطوّر، ثمَّ في الانتقال من اللفظة المتداولة إلى المفهوم العلمي. وقد تبدو هذه المقاربة أقرب إلى الواقع من تلك التي وردت في التراث المعجمي العربي بسبب تعليلها المنسّق.

وبالمقابل أدّت هذه الواقعية إلى انزياح ضمني جعل من «أدب» و«دأب» ثمّ من «أدب» و«سنّة» ألفاظًا مترادفة يمكن أن يحلّ واحدها محلّ الآخر. لا جرم أنّ الجواليقي كان قد ربط بين بعض وجوه الاستعمال القديمة للفظ «أدب» والأخلاق الحسنة والأفعال الشريفة، وأنّ الطبري (ت. 310/923) جعل لفظ السنة مرادفًا لدأب. ولكن هل في هذا ما يبرّر المعادلة التالية : أدب= دأب= سنّة، التي قدّمها نالينو Nallino والتي تمّ تداولها فيما بعد؟

ورغم أنّ نالينو Nallino لم يتخلّ تمامًا عن شيء من الحذر – على الأقل شكليًا – فإنّ الإطار الذي رسمه أفسح مجال استبدال لفظة بالأخرى. فإذا به يكتب منتقلاً من الإفتراض إلى التأكيد مخفيًا معنى «دَعوة إلى الطعام» الذي أعطاه المعجميون العرب الصدارة : «ما من شكّ انّ القدماء قصدوا بلفظ الأدب السنة دون سواها، أي عادات الأسلاف»، ثمّ، يكتب عن «دأب» : «[...] معناها "عُرْف، استمرار تطبيق عادة من العادات"، ما ليس ببعيد عن معنى سنّة وأدب.»

بعد ذلك بسنوات قام المستشرق الايطالي فرانسيسكو جابريالي Francesco Gabrieli (1904-1996) بخطوة إضافية حين كتب في مقال «أدب» من الطبعة الثانية للموسوعة الاسلامية Encyclopédie de l’Islam، التي ظهر إصدارها الأوّل عام 1960، أمّا في إصدارها الثالث فلم يظهر المقال المخصّص لمدخل «الأدب» حتّى كتابة هذه السطور : «[أدب] في أقدم معانيها ترادف سنّة». بعد ذلك بقليل، توازت المعاني المتقاربة في مثلّث نالينو Nallino تحت قلم المستشرق الفرنسي شارل بيلاّ Charles Pellat (1914-1992)، في مقال «أدب» الذي كتبه باللغة العربية لدائرة المعارف سنة 1969 : «فيبدو أن السنة والأدب متوازيان».

يرتبط لفظ «أدب» بلفظ «دأب» عبر جمعهما المشترك «آداب» (الناتج عن إمكانية صرفية وصوتية)، ما أدّى إلى مطابقتهما وعدم التمييز بينهما. نسج ذلك علاقة ضمنية بين لفظة «أدب» والقرآن الذي لم ترد فيه بخلاف «دأب»، التي ذكرت فيه خمس مرات. وفي هذا المقام النصّي عرّف الطبري (المذكور أعلاه) «دأب» كشبه مرادف للفظتي سنّة وأدَب (بمعنى عادة). أمّا في كتب الحديث (ثاني نصوص الإسلام التأسيسية)، فقد ذكرت «دأب» كذلك بضع مرّات. كما ورد فيها مرّات قليلة فعل أَدَّبَ (بمعنى رَبّى) والمصدر «تأديب» المشتقّ من الجذر أ.د.ب.

من المهمّ رفع اللبس والخلط الذي قد يسبّبه استعمال لفظة «سنّة» عند القارئ الغافل أو غير المحنّك– أو عند الطالب الجامعي في القرن الواحد والعشرين – فكثيرًا ما تفهم «سنّة» هنا وبشكل غير مناسب وفق معناها الثاني المقصود به «معيار موافَق عليه أو [...] تقليد تقبّله الرسول أو السلف الصالح»، في حين ينبغي أن تفهم بأقدم معانيها وهو «طريقة أو منوال سلوك، حسنًا كان أو سيئًا، قد يوافق عادات أو أنماط الاجيال السالفة أو لا يوافقها»، كما عرّف بها جوتييه جوينبول Gautier Juynboll (1935-2010) في مقال «سُّنَة» في الموسوعة الاسلامية. ويذكّر هذا المعنى بخطوطه العريضة ببعض معالم مفهوم «هابيتوس» habitus عند بورديو Bourdieu مهما كان الفرق بين المعنيين من جهة أخرى.

دراسات «أدب» يهيمن عليها أثر نالينو Nallinoومن نسج على منواله من بعد بحيث يصعب تخطّيه ما لم تنجز دراسة جديدة تعاقبية حول أقدم معاني اللفظة. إلاّ أنّ هذا الوضع لا يحول دون إشارتنا إلى أنّ المعادلة الثلاثية أدب=دأب=سنة ثمّ الثنائية أدب=سنة مسألة لا تقتصر على تساؤلات حول التأثيل فحسب بل ترتبط بتمثّل خيالي للعالم العربي–الاسلامي القديم يصبغه بانتحاء ماهوي، ويسعى ضمنًا عبر «دأب» إلى إقامة علاقة بين «أدب» والنصوص المؤسّسة للإسلام التي لم يرد اللفظ فيها. ولا يستنتج من كون هذا الانزلاق قد تمّ في الدراسات الاستشراقية أنّ أسلوب المعجميين العرب خالٍ تمامًا من كلّ ماهوية لكنّهم عرضوها وفق نظم أخرى.

أدب وعلم، أو العلاقة بين الأدب والثقافة الدنيوية

هناك سوء تفاهم آخر تناقله نالينو Nallinoوأخلافه، يقوم على اعتبار الأدب ثقافة «خالية من الطابع الديني» وفق تعريف المعجم المعروف بعنوان ذخيرة اللسان الفرنسي Trésor de la langue française للكلمة الفرنسية profane التي استخدمها. يقابله لفظ «العلم» المرتبط بالمسائل المتّصلة مباشرة بالدين. حتى أنّ بلاّ Pellat في مقالته باللغة العربية المذكورة أعلاه قد أردف الأدب بنعت «علماني» بمعناها المعاصر (أي ما يسمّيه البعض لائيكيًا).

نتساءل هل أنّ لفظة علماني ملائمة عندما تطبّق على مجتمع يتلخصّ فيه الفرق ما بين المسائل الدينية والدنيوية أو بين هذا العالم والعالم الآخر في كلمة ناطقة بلسان الحال وهي للجاحظ (ت. 255-869) احد أعلام الأدب العباسي (انظر أسفله) الذي يقول : «الفرق بين الدين والدنيا اختلاف الدارين من الدنيا والآخرة فقط».

بعبارة أخرى، إن أمكننا التفريق بين الأدب والعلم فيما يخص المواضيع التي يهتمّان بها، فإنّنا لا نستطيع لا إخفاء ولا استصغار كون كل واحد منهما ينطلق من التصوّر نفسه لعالم محوره إلهي. حسب هذا التصوّر فإنّ كل ما يتعلّق بالحقل الإنساني والزماني والأرضي لا يكون ولا يمكن أن يكون «خاليًا من الطابع الديني» (وفق التعريف أعلاه) ولا يمكن بالتالي تحديده ولا تعريفه عبر العلمانية أيّا كانت.

لا يتعلق الأمر هنا بمسألة عامّة تتناول اتّجاهات المجتمع العبّاسي فحسب، بل بمسألة لها آثارها المباشرة على طريقة معالجة الأدب وفهمه وتقويمه. ومن المناسب إعادة النظر جدّيًا في ربط الأدب بالفضاء العلماني وذلك دون الوقوع في النقيض الذي قد يرى إشارات أخروية وراء كل تفصيل. كما أنّ الأمر ليس أن نزعم انّ المصنّفين والفاعلين في مجال الأدب كانوا جميعًا على وعي حادّ ومتواصل بالآخرة، ولكن أن نأخذ بالحسبان أنّ شواغلهم كانت بالنسبة لهم ذات صلة (وإن ضئيلة) بالروحانية حتّى لو بدت لنا في غاية العلمانية. لا شكّ أنّ الأدب يتناول بالبحث التدبير الدنيوي. ولكنّ هذا لا يعني أنّه ينطلق من نظرة علمانية إلى العالم.

سنعود لاحقًا إلى ذلك، ونكتفي هنا بمثال واحد : حين يصف ابن قتيبة (ت. 276/886) في كتاب أدب الكاتب ما يعتبره بلاّ Pellat «برنامجًا» تقنيًا أو المختصر المفيد « vade mecum » في المعطيات اللغوية التي يجب على كاتب الإنشاء إتقانها، فإنّه يستحيل فهم مقاصد الخطّة التي يتّبعها دون الانتباه إلى ربطه بين تقويم اللسان والفضيلة الدينية برابط يعتبره حقيقيًا ويشير إليه بوضوح في مقدّمته. وإذا وضعنا هذا الرابط في مقامه المناسب فإنّه يتعذّر علينا اعتبار هذا الكتاب بمثابة «كرّاس في فقه اللغة يتوجه إلى الكتّاب وفيه مقدّمة مشهورة تعلن عن معتقدات [ابن قتيبة] [الـ]سياسية-[الـ]ثقافية» (جيرارد لوكونت Gérard Lecomte) ناهيك عن اعتباره قد أسقط «نوعًا أدبيًّا بالفعل» إلى مرتبة «كرّاس مدرسي أو مهني» (بلاّ Pellat). هذا النوع من المقاربات يعتبر أنّ مقدّمة الكتاب ومتنه مجموعتين منفصلتين تجاورتا بالصدفة. في حين أنّ ما عبّر عنه المؤلف من اعتقاد في المقدّمة يطبع كل ما جاء من بعد ويوجِّهه.

أدب، إعادة ترتيب المقاربة التعريفية

من وجهة النظر التي اعتمدناها، وبغية وصف الأدب على أحسن وجه كبعد مركزي من أبعاد الثقافة العبّاسية، سنعتبر أنه ابتداءً من أواسط القرن الثاني/الثامن، انتظمت مختلف تعريفاته الواردة في أقدم المصادر التراثية (خاصّة تلك التي أبرزها نالينو Nallino) في بنية أنتجتها تصوّرات ذهنية ضمنية وأطلق عليها جميعًا أسم جزء منها وهو «أدب»، بنية تتشابك فيها التعريفات فتشكّل معًا مفهوم ومعنى «أدب»، في حين لا يمثّل كلّ منها على حدة إلاّ جانبًا أو مظهرًا منه. ومن هذا المنطلق نسلّم كذلك أنّ المنشئين العباسيين، وحتّى القدامى منهم، يحسّون بهذا الترتيب الذي تتداخل فيه مختلف معاني اللفظة وتتكامل، بل وقد يدركونه وإن لم يشيروا إليه بوضوح. كفاك مثلاً أن تلقي نظرة على مجموع الأقوال المنسوبة الى عبد الله بن المقفع (ت. 139/756) والتي وردت فيها لفظة «أدب» لتدرك أنّك ومنذ ذلك العهد أمام مصطلح متعدّد المعاني والاستعمالات، ينقل معظم القيم المعنوية والإيحاءات التي سينظر إليها لاحقًا وكأنّها من ابتكار هذا المؤلّف.

علينا طبعًا التأنّي في إطلاق الأحكام لأنّ النصوص القديمة تتعدّد رواياتها وتختلف اختلافًا بيِّنًا، حتّى تلك المحقّقة تحقيقًا علميًا منها، نظرًا لخصوصية العلاقة بين الشفوي والمكتوب في ذلك الزمان. يشير بلاّ Pellat سنة 1962 إلى أنّ : «المادة [النصّية] قبل أن تقيّد خطّيًا كانت تنقل عبر المشافهة». ويرى أن ذلك كان يتمّ خلال دروس تلقى على مسامع الحضور بـ«بلغة سقيمة جامدة لا طلاوة فيها ولا رُواء» بحيث أنّ محتوى هذه الدروس «لا ينتمي أبدًا إلى الأدب [بمعناه اليوم].» وقد أثبت جريجور شولير Gregor Schœler ببراعة في دراسته الكتابة والنقل في أوائل الاسلام بأنّ الأمر لا يتعلّق بمفاضلة بين الشفهي والخطّي بل بعلاقة جدلية بينهما باعتبارهما معطيَين متلازمين على قدرٍ واحدٍ من الأهمية. وهذا ما يؤكّده عبد الله شيخ موسى في مقاله «اعتبارات حول الأدب [...]» حين يقول : «لئن كانت الكتابة عماد تأليف النصوص الأدبية وإنتاجها حتّى أواسط القرن الثالث للهجرة، بل إلى نهايته، فإنّ هذا التأليف وذاك الانتاج كانا ينطلقان من الاعتقاد بأنّ سيرورة هذه النصوص، أي تلقيها وجريانها على الألسنة، لا يكاد يكون إلاّ عن طريق الإلقاء الشفوي.» ولكنّنا نستطيع، على الرغم من ذلك، أن نستخرج بحذر من استخدام لفظة «أدب» بعض الملاحظات المفيدة لبحثنا هذا إلا إن اعتبرنا كلّ الشواهد التي ورد فيها لفظ «أدب» موضوعة.

 ملامح الأدب في القرن الثاني/الثامن ونشأة النثر الأدبي

بيئة كتّاب الدواوين

في أوّل عقود الخلافة الأموية شكّل كتّاب الدواوين «نخبة بيروقراطية» يختارونها من أبناء البلدان المفتوحة وكثيرًا ما لا تكون معرّبة ولا مسلمة، إلاّ أنّها تضع تحت تصرّف هذه السلطة الجديدة مهارتها وكفاءاتها المقتبسة من البيزنطيين والساسانيين، مستعملة اليونانية أو الفهلوية في مكاتباتها.

طالما اعتُبِر قرار خامس خلفاء بني أمية عبد الملك بن مروان (ت. 86/705) تعريب الديوان المحرّك الذي أدّى إلى نشأة النثر الأدبي في الدائرة الضيّقة لكتّاب الدواوين، نثر هو في آن واحد طريقة تعبير ودعامة نصيّة للبحث في «الأدب». ولا جرم أنّ هذا القرار الذي يدلّ على رسوخ الحضارة العربية-الاسلامية الناشئة وعلى «تأثير الإسلام العميق على الرعيل الأوّل من الخلفاء المسلمين الذين تربّوا منذ الصغر في كنف الدين الإسلامي» (هاملتون جيب Hamilton Gibb)، قد قام بدور حاسم في بروز إنتاج أدبي باللغة العربية.

ونشير بإلحاح إلى أنّ هذا القرار ليس بحدّ ذاته سبب ما نراه منذ البداية عند الكتّاب من طموح جمالي أو بحث عن شيء من الأناقة، وهما مظهران أساسيان آخران من مظاهر الأدب. فهذه قيم كان التراث الثقافي الذي نشأوا فيه من قبل يدعوهم إليها فطبّقوها على الحضارة الجديدة التي كانوا يشاركون في بلورتها قبل أن تقوم هي في مرحلة تالية بإعادة قولبتهم محتكرة إيّاهم عند الحاجة، دامجة إيّاهم في فضائها.

ينقل البلاذري (ت. 279/892) علي سبيل المثال في فتوح البلدان أنّ ابن المقفع قدّم لمستكتبه صالح بن عبد الرحمان صاحب الخراج على العراق جدول حساباته على رق مصفّر بالزعفران ومعطّر بماء الورد. ويرى الباحث سعيد أمير ارجموند اعتمادًا على الأحداث المذكورة في الخبر وتوقيتها أنّ الأمر لا يتعلّق بمؤلّفنا نفسه بل بوالده داذويه (أو داذبه)، أحد نبلاء الأرسترقراطية الفارسية الذي كتب للحجاج (ت. 95/714) في ديوان الخراج وكسّرت أصابعه عقوبة تهمة بالاختلاس، ومن هنا لقب المقفّع (اي ذي الأصابع المفقّعة) الذي ورثه عنه ابنه.

ابن المقفع وأستاذه عبد الحميد بن يحيى الكاتب (ت. 132/750) وأستاذ هذا الأخير أبو العلاء سالم (ت. حول 125/750) شغل كلّ منهم منصب كاتب موكل بتدوين الرسائل أي ما يسمّى بكاتب الإنشاء. ويختلف هؤلاء «الكتّاب المترسّلون» (برونا سورافيا Bruna Soravia) عن طبقات أربع أخرى من الكتّاب (المكلّفين بالقضاء والشرطة والخراج وأخيرًا بالجند والحساب). فالكتّاب المترسّلون ليسوا فقط أصحاب مهنة شهدوا تعريب الديوان. بل إنّهم مؤسّسو الأدب عن طريق تأطير أخلاق السلطة وآداب مهنتهم وابتكار أسلوب في التعبير جديد. استقلّت معهم اللغة العربية عن لزوم ضوابط علم العروض واتّسع حقل الحضّ والتحريض، الخاصّ بالقرآن والمواعظ والخطاب السياسي–الديني، على الحُجاج والسرد المفصّل والفكر المجرّد، دون التخلّي عن حُسن استغلال المجاز والوزن.

ويضاف أحيانًا إلى أرباب الكتابة الثلاثة هؤلاء، الكاتب غيلان الدمشقي (ت. قبل 125/743) رغم أنّنا لا نعرف إلاّ القليل عن مؤلّفاته فيشار إلى «رباعي» مؤسّس النثر، والكلمة لإحسان عباس في مقدمة أدب الحميد بن يحيى الكاتب وما تبقى من رسائله ورسائل سالم أبو العلاء.

داذويه عوقب في جسده على تقصيره في واجباته. ابنه –أي ابن المقفّع– قُتِلَ في السادسة والثلاثين من عمره لأسباب ما زال الباحثون يختلفون فيها. غيلان قطعت يداه ورجلاه قبل أن يصلب بعد اتّهامه بأنّه من أهل البدع. عبد الحميد دفع حياته ثمن ولائه لصاحبه آخر الخلفاء الأمويين، بعد أن رفض اقتراح هذا الاخير بالدخول في خدمة السلالة الجديدة. هذا القدر من الوفاء نادر. فمعظم الكتّاب أشبه بأصحاب الصنائع الذين يسخِّرون كفاءتهم وحماسهم في خدمة أسيادٍ مختلفين قد يتنافسون في ما بينهم، بل قد يكون بعضهم عدوًّا لبعض. فقد كتَبَ ابن المقفع، على سبيل المثال، لعدد من حكام الأمويين وأمرائهم قبل أن يلتحق بخدمة العبّاسي عيسى بن عليّ عمّ الخليفة المنصور.

تبيّن هذه المعطيات خطورة مهنة الكاتب، وهي خطورة تتناسب وأهمّية الوظيفة، إذ تمتّع بعض الكتّاب بسلطة غير قابلة للجدل ونفوذ واسع وأموال طائلة. كما تبيّن كذلك أنّ الوظيفة كثيرًا ما انتقلت من كاتب إلى آخر على أساس الروابط العائلية والدموية. فعبد الحميد قريب سالم عن طريق المصاهرة وابن المقفع ووالده وربّما ابنه تعاقبوا على الديوان. وقد قامت سلالات أخرى من الكتّاب بدور هامّ منها آل الصولي (عمرو ووالده مسعدة وقريبهم إبراهيم الأشهر منهما) وآل خاقان أو أخلاف يعقوب بن داوود (ت. 187-802) وقد ذكرنا هؤلاء على سبيل التمثيل، لا الحصر.

أبو العلاء سالم

نعود إلى دراستنا حول السلطة ومهنة الكاتب ودوره في نشأة النثر الأدبي. أبو العلاء سالم كاتب الخليفة هشام بن عبد الملك (ت. 125/724) تُنسب إليه مقاطع معدودة من رسائل مهنية أو إخوانيّة وتعريب نصوص منها رسائل أرسطوطاليس الى الإسكندر المشكوك في صحّتها. وكما أوضح ماريو غرينياتشي Mario Grignaschi فإنّ هذا النصّ المعرّب، وهو أقدم أثر وصلنا إلى يومنا من النثر الأدبي، وقد ألّف بلا شكّ في العصر الأموي ربّما نقلاً عن أصل يوناني، يعبّر عن إعجاب بالميراث الساساني أكثر منه بالميراث الإغريقي.

إن تطرّقنا إلى هذا النص المعرّب من منظار التأثير الثقافي المشبّك، لا الخطّي والسببي، فإنّنا سرعان ما نلاحظ أنّ فضاء الأدب هو جرن انصهر فيه خلال العصر العباسي خليط ثقافات مختلفة متجاورة ومتمازجة، فنتج عن ذلك تكوين العالم العربي–الاسلامي. من هذه الزاوية، يستحيل الحديث كما هو الحال غالبًا عن التأثير البيزنطي أو الساساني على النثر الأدبي العربي بكلمات نوعية وتقويمية تضفي على أقدم المصدرين وأحيانًا على الثقافة التي أنتجته بأسرها تفوّقًا على التي نهلت منها.

عبد الحميد بن يحيى الكاتب

في متناولنا عدد أكبر بقليل من النصوص التي وضعها عبد الحميد. أكثر من ستّين رسالة أو مدوّنة، كاملة أو مقتطفات. فيها رسائل كتبها عن الخليفة لأغراض شتّى (تعليمات لشراء أمة، الحجّ، نصائح إلى ابنه يوصيه فيها بالعناية بزوجته)، كما نجد فيها نصوصًا على لسانه ذات طابع رسمي (رسائل توصية، تعزية) أو خاصّ (لأخيه...)، إلاّ أنّ عبد الحميد اشتهر خاصّة بـــــالرسالة إلى الكتّاب والرسالة إلى وليّ العهد والرسالة في الشطرنج.

تعتبر وداد القاضي عبد الحميد الذي خصّصت له دراسات عديدة مؤسّس «نصيحة الملوك» كجنس أدبي عربي. وتستوقف نظرها ثلاثة ابتكارات نسبتها إليه مصادر القرون الوسطى : إطالة الرسائل وإدراج الحمدلة في مواقع مختلفة منها، وأخيرًا أنّه «فَتق أكمام البلاغة وسَهَّل طرقها». ويشير هذا القول لابن عبد ربه الأندلسي (ت. 328/940) حسب وداد القاضي إلى أنّ عبد الحميد كان يتقن الكتابة الى درجة انّ مجهوده في نحت النصّ يتوارى من رقّة نصوصه.

الى هذه الابتكارات الثلاثة ينبغي أن نضيف اثنتين أخريين. يرسم عبد الحميد في الرسالة الى الكتّاب اوّل تعريف «للثقافة الأفقية» المتوقّعة عند الأديب. فالقائمة البرمجية التي ذكرها في الرسالة تحتوي على كل العناصر التي ستكوّن فيما بعد معارف الأديب العبّاسي التي لا بدّ منها : القرآن، بعض جوانب الفقه، النحو، الخطّ، الشعر (حفظه وإنشاده وفهمه حتّى غريبه)، سير القدماء من عرب وعجم وخاصّة الفرس وأيّامهم وأخيرًا الحساب.

عبد الحميد هو كذلك أول من «فكّ رقاب الشعر»، إذا عدنا إلى قول ابن عبد ربّه بتمامه، بعد أن جاء مبتورًا من ثلثه الأخير في دراسة وداد القاضي المذكورة أعلاه. الفقرة المهملة تعني أنّه حرّر الشعر. المعنى واضح بحدّ ذاته ولكنّه كثيرًا ما يهمل لأنّه يبدو غير ملائم لنصوص عبد الحميد. إلاّ أنّ القلقشندي (ت. 821/1418) يرى أنّ «الشعر هو المادة الثالثة للكتابة بعد القرآن الكريم والأخبار النبوية» وأنّ فكّ رقاب الشعر«هو أن يعمد الكاتب إلى الأبيات من الشعر ذوات المعاني فيحلّها من عقل الشعر، ويسبكها في كلامه المنثور».

هذه الظاهرة (ينبغي التمييز بينها وبين إدراج شواهد شعرية في النصّ المنثور) تذكّرنا بأنّ النقّاد القدامي على تفحّصهم الدقيق ما يتعلّق بانتحال الشعر تقبّلوا دون أي تحفظّ الاقتباس والتناصّ في ميدان النثر. أمّا فيما يتعلّق بعبد الحميد وحسب علمنا فلم يقم أحد إلى الآن بدراسة اقتباسه المحتمل من الشعر. وذلك ربّما لأنّ أثر هذا الاقتباس في نصوصه ليس جليًّا في نظر المتلقّي. هل بالغ ابن عبد ربه في كلامه أم تراه بالعكس تكلّم عن وثائق مفقودة الّفها عبد الحميد، أم أنّ المفقود أبيات ضاعت من التراث الذي وصلنا، أم أنّ تبرير كلامه في جانب لم يفحص بعد من آثار عبد الحميد قد يتجلّى من إعادة دراستها؟

مهما يكن، ولنلخّص، ساهم عبد الحميد في ابتكار أسلوب نثري جديد، وفي تحويل الرسالة الوظيفية الى نوع أدبي وفي صبغ هذا النوع الأدبي الجديد بطابع إسلامي متواتر وفي إعطاء أوّل تحديد دقيق وإن مقتضب لثقافة الأديب العامة.

عبد الله بن المقفع

آخر أعلام الكتّاب في مرحلة نشأة النثر الادبي، عبد الله بن المقفع الذي عرف أوّلا باسم روزبيه بن داذويه، كاتب يكاد يكون أسطورة من الأساطير هو «هذا الفارسي المتملّك من لغة القرآن وكأنّه صانعها وذلك قُبيل انطلاقتها المدهشة، شخصيّته تحتفظ بمرتبة مهمّة جدًّا حتّى إذا جرّدناها من الأسطورة.» هذا ما يؤكّده غابريالي Gabrieli، مذكّرًا أنّ ابن المقفّع «أحد الأوائل الذين عرّبوا مصنّفات أدبية من الحضارتين الهندية والإيرانية» رغم ضياع جزء من إنتاجه وكون ما وصلنا منه يثير الكثير من الأسئلة فيما يخصّ تاريخ انتاجه وصحّة نسبته.

ويشهد تعريب ابن المقفّع/تكييفه حكايات كليلة ودمنة من الفهلوية أنّه يستحيل بنيويًا التعرّف على "النصّ الأصلي" فيما يخصّ مؤلّفات قديمة بقدر هذه، هي مؤلفات انتشرت في حضن ثقافة «شفهية مختلطة [بالتدوين]» (زومتور Zumthor). رغم الشكّ المحيط بالنصّ العربي بسبب تعدّد الروايات والقراءات فإنّه يشكّل حلقة اساسية في تسيير ونقل الأعمال الادبية في المحيط القروسطي أو الكلاسيكي. فقد ترجم كتاب كليلة ودمنة من العربية الى اليونانية حوالي عام 1080م. ثمّ من اليونانية الى اللاتينية الى الألمانية إلى لغات سلافية شتّى. وفي بداية القرن الثاني عشر ترجم مخطوط آخر من العربية الى العبرية ثمّ من العبرية الى اللاتينية حوالي عام 1270م. وعن النصّ اللاتيني هذا انجزت معظم الترجمات التالية إلاّ أحدثها. كذلك نقل المخطوط العربي الذي استعمل لانجاز أوّل ترجمة إلى العبرية إلى الاسبانية القديمة. وبفضل هذه الترجمات، ألمّ مؤلّفون كالنبيل القشتالي السيّد خوان مانويل Don Juan Manuel (1282-1348) أو صاحب الحكايات على لسان الحيوان جان دي لافونتانJean de la Fontaine (1621-1695) بهذه الأمثال فتملّكوا بعض مقاطعها أو تعاليمها.

ويعرب أسلوب ابن المقفع الموصوف بالسهل الممتنع، عن اهتمامه باللغة العربية وتمكّنه التامّ منها، وعن قدر الموهبة والولع اللذين وظّفهما في تجديدها ضمن الفضاء الأدبي. ويتبلور ذلك خاصّة في نصّين : رسالته الأدب الكبير التي كرّسها لرجل الخاصّة في علاقته بأقرانه وبمن يعلوه أو يدنوه مرتبة، ورسالته في الصحابة (أي صحابة الخليفة)، وهي نص قصير وجّه فيه الكلام إلى الخليفة المنصور، ما بين جنسين أدبيين هما «نصيحة الملوك» و«أمور تنظيم الحكم». ويرى بعض الباحثين ومنهم مؤلّفة هذه الاسطر أنّ هذا النص الأخير كان السبب في هلاك ابن المقفّع، لأنّه اثار حنق الخليفة. ويرى البعض الآخر أنّ الخليفة لم يحتمل جرأة ابن المقفّع إذ أحكم صياغة نصّ الأمان الذي وضعه لعبد الله بن عليّ (أخي عيسى صاحب كاتبنا) عمّ المنصور مرغمًا إيّاه على وقاية عمّه بشكل مطلق دون أن يترك له أدنى مجال للمناورة ولا أي منفذ.

أجمع المصنّفون العباسيون على موهبة ابن المقفّع الأدبية بيد أنّهم تحفّظوا على صدق إيمانه كمسلم. ونلفت الانتباه إلى أنّ من خلفه مباشرة لم يطرحوا هذه المسألة. ويبدو أنّ الثعالبي (ت. 429/1037) في ثمار القلوب هو الذي جعل من ابن المقفّع أحد أوّل الزنادقة (من أظهر الإسلام وأبطن المانوية، بحصر المعنى) . وبما أنّ ابن المقفّع اعتنق الإسلام بعد بلوغه فليس من الغريب أن ينطوي انتاجه على آثار النظامين اللذين يقال إنّه انتمى إلى كلّ منهما. هل تعاطف مع المانوية بشدّة دفعته إلى تأليف نصوص جدلية منها بحث في تقريظ المانوية؟ هل حاول من باب الاستفزاز معارضة القرآن؟ ما زال السؤال مطروحًا على الرغم من الدراسات التي تدّعي أنّها قد أثبتت هذا الأمر أو نفته.

في ختام هذا الجزء من المقال، نستطيع القول إنّ النثر الأدبي العربي قد نشأ في عالم الكتّاب المصغّر عند اصطدام تقاليد الكتابة البيزنطية والفارسية بالقرار السياسي–الديني بتعريب الديوان. وقد تمخّضت عنه في آن واحد حركة ثقافية شاملة ومواهب فردية استثنائية. ظهر النثر الادبي في شكل رسائل طويلة وأمثال حيوانية وأقوال مأثورة. وقد ارتبط هذا النثر في وقت مبكّر ببرنامج ثقافة عامة تضّم معرفة الدين الإسلامي. رغم ذلك فإن البصمة الإسلامية على النثر في القرن الثامن لم تكن راسخة تمامًا : فالإسلام ليس بعد حضارة كاملة البناء وأوائل المؤلّفين من عائلات حديثة العهد به، هذا إن لم يكونوا ممن أسلم منذ وقت قصير.

 عصر الأدب الذهبي

تبيّن دراسة الأدب خلال حقبة زمنية طويلة أنّ أكثر مراحله ازدهارًا وإنتاجًا لمؤلّفات ذات شأن هي الفترة ما بين منتصف القرن الثالث/التاسع ومنتصف القرن الخامس/الحادي عشر، وذلك في مراكز ثقافية مختلفة ابتداءً من بغداد عاصمة الخلافة، ثمّ انتقالاً إلى مختلف العواصم المحلية مثل حلب أو الرّي، بعد أن فقدت السلطة المركزية سيادتها وسلطانها. وغالبًا ما نرى الأديب (أي من يصوغ الأدب متكرّسًا له) يحاول التقرّب من مثاله الأعلى النخبوي وكأنّه في آن واحد يهمل الواقع الحدثي ويهتمّ به، حين يلتفت إلى الانتفاضات التي تزعزع الامبراطورية العبّاسية، المتعدّدة اللغات والشعوب، والغنية بالنصوص المعرّبة من اليونانية أو الفهلوية، امبراطورية تجتازها تيارات مذهبية متعارضة أو متخاصمة وتهزّها الحروب أو الفتن الداخلية.

من وجهة نظر التاريخ، شهد القرن الثالث/التاسع، الذي ترسّخ فيه الإسلام كحضارة ثابتة، تغيّرات بنيوية أساسية رغم احتفاظه على شيء من الاستمرارية. فالإسلام لم يعد في نظر كتّاب الديوان مرجعًا منشؤه خارجي نسبيًّا، يتوجّب عليهم معرفته ودمجه في كتاباتهم. بل أصبح الدائرة التي تحوي الأدباء والتي تحدّد تصوّر العالم والهوية الثقافية والغيرية، والقيم وعلم الجمال والأعراف... هذا ما صبغ النثر الأدبي وغيّره وأدّى بشكل خاصّ إلى هيمنة مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على كلّ إنتاجه. منذ ذلك الحين صار هذا المبدأ، الذي تراءى ضئيلاً عند عبد الحميد، في حين لم يرد في نصوص ابن المقفع، محوريًّا عند كلّ المؤلفين على اختلافهم، بحيث لم يعد الأدب يُفصل عن الأخلاق بغضّ النظر عمّا يفرّق بينهما.

وينبغي ألاّ تُخفي وجهة نظر التاريخ كون مؤمن القرون الوسطى يرى أنّ الإسلام جاء فور ظهوره بشكل حضارة نموذجية مكتملة. ونتج عن هذا الاعتقاد أمران. يتعلّق أوّلهما بتاريخ الأدب إذ اعتبر القدماء أنّ ترسيخ الطابع الإسلامي في النصوص هو هو، مهما كان زمن تأليفها. هكذا يرى الجاحظ أنّ سلفه المباشر مثل سهل بن هارون (ت. 215/830) وأبي عبيد الله يحيى بن خاقان (ت. بعد.236/851) قد ساهم كروّاد القرن الثاني/الثامن (ابن المقفع وعبد الحميد وغيلان) بالقدر نفسه ودون أي فارق أو انقطاع في تأسيس فنّ الترسّل والنثر الأدبي.

نزاع الشعوبية الثقافي


نتج ثانيًا عن النظر إلى الإسلام فور ظهوره كحضارة نموذجية مكتملة –وهي النتيجة الأهم– نتج عن ذلك اعتبار كلّ تغيير بمثابة إتلاف الأصل النموذجي. ويعاد هذا الإتلاف إلى الزمانية والنقص البشري، لا سيّما إلى كون الشعوب غير العربية التي أسلمت (وخاصّة الفرس) قد أفسدت العرب المسلمين.

في هذا الإطار، وفي حين كان من الضروري أن تتعارف الشعوب المسلمة عبر انتمائها إلى ماضيها الأسطوري المشترك (الذي أثبتت الانثروبولوجيا أنه لا انتماء مشترك إلى الحضارة نفسها دونه)، أدّى ذلك إلى أزمة ثقافية حادّة تعرف بالشعوبية (التي ربّما اقتبس اسمها من سورة الحجرات، الآية 13). والشعوبية (التي لم تدرس كلّ جوانبها بعد) تتعلّق ظاهرًا بمسألة الصدارة بين المسلمين المختلفي الأصل، خاصّة بين العرب والفرس. وبالرغم أنّها تلازم مشاكل اقتصادية وضريبيّة، فإنّها لا تقتصر على ذلك كما يقال أحيانًا بل تبيّن دراستها الدقيقة أنّها أوّلاً نزاع حول تحديد الشعارات والرموز التي توطّد ماضي الإسلام الأسطوري.

ما يؤكّد قراءتنا هذه هو الثنائية المهمّة التي ستطبع انطلاقًا من ذلك الحين تصوّر فترة ما قبل الإسلام أي الجاهلية (نسبة إلى جهلها الحقائق الدينية). فحين اعتبرها رجال الدين مرحلة ظلام الجهل الدامس، التي لم تقرّ بالوحي بل أنكرته، أعيد تحديدها في فضاء الأدب بحيث أصبحت منبت الفضائل ومنبع اللغة العربية الفصحى الخالصة. واعتبر مبتكرو هذه الجاهلية المتخيّلة (وموطنها جزيرة العرب) أنّها التمهيد المشروع للإسلام، يقابلها الماضي الأسطوري الذي يستند إليه المسلمين الجدد، ذوي الأصول غير العربية، لا سيّما ماضي بلاد فارس ما قبل الاسلام.

وفي الفضاء الأدبي حثّت الشعوبية على التنافس في تدوين التراث القديم أو ما يعتبر جزءًا منه. إذ ينبغي على الأديب أن يلمّ بكل ما يتعلّق بالجاهلية أو بمعظمه (الشعر، أيّام العرب، مآثر العظماء، الأنساب، الخطابة)... ومن هنا تكرّس بعض المؤلّفين لجمع هذا التراث ونقله الشفاهي وتدوينه بهدف تثقيف الاديب وقولبته.

قد يدعونا ذلك الى القول إنّ عصر الأدب الذهبي هو بوتقة عمل عظيم جماعي يهدف إلى صهر ماضٍ أسطوري مشترك شامل وإلى الربط بينه وبين الحاضر الذي يعيشه المؤلّفون وهم مولعون جميعًا بالنموذج المثالي نفسه، على اختلاف أعراقهم ولغاتهم. وقد تزامن هذا العمل، الساعي إلى التوفيق بين معطيات الهويات المختلفة وإلى التماثل، مع مقاربات اخرى تضاربه إذ أنّها تقصي من جهتها كلّ تركيب رمزي مشترك وتحبّذ المحافظة على هذه الهوية الثقافية أو تلك، معتبرة إيّاها دون سواها متفوّقة وخالصة.

وجوه عصر الأدب الذهبي البارزة

انطلاقًا من أوائل القرن الثالث/التاسع، لم تعد الكتابة الأدبية تقتصر على المؤلّفين المحترفين. هكذا وضع الأمير طاهر ذو اليمينين (ت. 206/821) رسالة تندرج على السواء في سياق نصيحة الملوك وفي الوصية. هذا وقد أبدع غيره في نظم الشعر أمثال ابن المعتزّ (ت. 296/908) الملقّب «بخليفة يوم وليلة» وهو نجل الخليفة العباسي الثالث عشر. وقد خلف ابن المعتزّ كذلك مقاطع نثرية، لا سيّما كتاب البديع وهو أوّل دراسة في نقد الشعر في الإسلام. وفي القرن الرابع/العاشر، نتيجة تلاحق هذه الأحداث، أصبح إتقان «الصناعتين» (أي الشعر والنثر) خلّة ينبغي أن يتّصف بها رجل البلاط، مهما كان مستواه في السلطة ومهما كانت صلاحياته. هكذا مثلاً يعتبر العديد من الوزراء والأمراء أو الكتّاب في البلاط البويهي من الأدباء المرموقين، على غرار أبي الفضل بن العميد (ت. 360/970) وابنه أبي الفتح (ت. 366/977)، أو عزّ الدولة باختيار (ت. 367/978) وكاتبه ابي اسحاق الصابئ (جدّ المؤرخ هلال الصابئ)، أو عضد الدولة (ت. 372/983)، أو المهلّبي (ت. 352/963)، والصاحب بن عبّاد المذكور اعلاه.

فيما سبق استطعنا أن نعرّف بشكل مقتضب بكلّ من الذين أسّسوا الأدب وذلك لقلّة عددهم. لكن بالنسبة للفترة التي نخصّها الآن بالدراسة فقد ازدهر فيها الأدب إلى حدّ يحول دون اتّباع المنهج نفسه . لذا سنكتفي بتقديم الجاحظ وابن قتيبة لأنّهما اللذان أعادا تأسيس الأدب في إطار الحضارة الإسلامية المتوطّدة. أمّا المخطّط الذي رسماه فقد تمادى حتّى القرن التاسع عشر إلاّ بعض التغييرات الطفيفة سواء على المستوى النظري أو الشكلي. وما زال هذا المخطّط اليوم، رغم الانقلابات الثقافية، يعتبر نموذجًا يمتثل به الأدباء. إلاّ أنّنا نجد إلى جانب هذين العبقريَين المرموقين العديد من المؤلّفِين النابغين، إلى درجة جعلت أحدهم، وهو الهمذاني (ت. 398/1007) مبتكر المقامات المتميّز، يصرّح على لسان أحد أبطاله المتعطّش إلى من يعترف بفضله، وذلك بشيء من الإعجاب وشيء من الامتعاض : «لكل زمان جاحظه».

وكما يبيّن هذا الشاهد فإنّ الجاحظ الذي يقترن اسمه اليوم بالدراسات التي خصّه بها بلاّ Pellat، يتمتّع منذ زمن طويل بتقدير مُجمع عليه. وقد بلغت أهميّة دوره النموذجي النمطي في الأدب درجة عالية أدّت إلى الكلام عن «الحدث الجاحظي» (حمّادي صمّود). وقد جعل الجاحظ، المعتزلي المذهب، من العقل محور الأدب كاتبًا : «وإنما الأدب عقل غيرك تزيده في عقلك ‏». كما ينسب إليه التعريف الانتقائي : «الأدب الأخذ من كلّ شيء بطرف». وقد خلف الجاحظ، هذا المؤلّف المكثر في مواضيع شتّى، مصنّفات رئيسية ما زالت تثير اهتمام الباحثين الذين يجدّدون قراءة بلاّ Pellat، منها خاصّة رسالته في القيان وكتاب البخلاء وكتاب الحيوان وكتاب البيان والتبيين وهو مؤلَّف متعدّد المواضيع يعتبر أوّل بحث في علم البيان العربي.

أمّا ابن قتيبة الذي تتلمذ على الجاحظ ثمّ خالفه، فكثيرًا ما ينعت بلفظ «تقليدي‏». وينبغي أن يربط هذا النعت بموقفه من مكانة الخطاب الفلسفي في الفكر الاسلامي، لا بكونه مفكّر خامل يكتفي بتطبيق أرثوذوكسية دينية مسبقة، لأن في ذلك خطأ تأريخي إذ أنّ ابن قتيبة يؤسّس نظامًا يصفه ويدافع عنه ولا يطبّق نظامًا سابقًا. فقد رأيناه أعلاه يضفي قيمة أخلاقية على المعطيات اللغوية وهو يحدّد في كتاب أدب الكاتب المعارف التي يجب على الكاتب تحصيلها. أمّا كتابه عيون الاخبار فقد بوّب فيه حسب مواضيعها الأخبار التي لا بدّ أن يعرفها الأديب. وقدّم في كتاب المعارف بعض التراجم والتعريفات وشيء من الجغرافيا وما إلى غير ذلك من المعلومات الضرورية في النقاش العلمي. وأخيرًا، يمثّل كتاب الشعر والشعراء إحدى أقدم المجموعات الشعرية. هذه المصنّفات الأدبية هي بالنسبة لابن قتيبة (الذي وضع فضلاً عن ذلك نصوصًا في العقيدة) مبرّة، هدفه منها إرشاد أبناء جنسه إلى المعروف ومنعهم من المنكر، لينال جزاءه في الآخرة.

أهمّ خصائص بنية المصنّفات الأدبية


صار ترتيب النصوص المدوّنة يتمّ وفق شكل جديد فرض نفسه وأصبح الجنس المهيمن ألا وهو الكتاب. صحيح أنّ لفظ «كتاب» يشير أوّلاً وبصفة عامّة إلى كلّ ما هو مدوّن خطّيًا كما يشير كذلك إلى المجلّد بمادّيته. إلاّ أنّ المؤلّفات التي يبدأ عنوانها بكلمة «كتاب» تتّسم بخصائص شكلية معيّنة تميّزها عن الرسالة. فهذه الاخيرة تحتوي على خطاب متواصل قائم على حجج المصنّف الذي يوجّه الكلام إلى متلقٍّ حقيقي أو خيالي. أمّا الكتاب فإنه يجمع جنبًا إلى جنب اخبارًا حول موضوع ما، دون أن يعلّق عليها، فيتكلّف المتلقّي (أو ربّما حلقة العلم أو النقل الشفهي) مهمّة الاستدلال وبيان ما يربط الأخبار ببعضها البعض و ما يربطها جميعًا بالموضوع.

قد يحتوي الكتاب على باب أو أكثر وقد يستهلّ بديباجة. فالكتب مختلفة الحجم، تتراوح من بضع صفحات الى عشرات المجلدات. إلاّ أنّ أضخمها حجمًا أقربها إلى عصرنا. ويرى معظم الباحثين أنّ مؤلّفي هذه الكتب الضخمة رأوا من الضروري أن يقيّدوا خطّيًا الثقافة لمّا أحسّوا باقتراب اندثارها وخشوه. ولكنّ هذه الكتب الضخمة تدلّ كذلك وبالأهمية نفسها على الانتقال من «الشفاهة المختلطة [بالتدوين]» إلى «الشفاهة الثانوية»، ما أضفى مقامًا جديدًا على التدوين.

انبثق الكتاب من الرسالة ثمّ اكتسب بنيته الثابتة، لذا جمعت بعض النصوص ما بين الجنسين الأدبيين لا سيّما في القرن الثالث/التاسع، منها الكثير من مؤلّفات الجاحظ.

وصف مقتضب لأصناف مؤلّفات الأدب

من ناحية مواضيع الكتب، فإنّ المبدأ الانتقائي الذي قام عليه الأدب («من كلّ شيء بطرف»)، يعقّد تصنيفها ويبرّر إلى حدّ ما كون بعض المصنّفات (بكاملها أو في جزء منها) تتطرّق تارة إلى فنّ النثر وتارة إلى التأريخ أو الجغرافيا أو نقد الشعر أو التراجم أو الأخلاق أو المثالب... إلاّ أنّنا مع ذلك سنتبنّى بشيء من التصرّف وعلى سبيل البيان الترتيب الذي اقترحه بلاّ Pellat ، الذي وزّع هذه المصنّفات في ميادين ثلاثة، ملاحظّا أنّها مبهمة الحدود : الأدب الاخلاقي، الأدب المهني (الحرفي)، وأخيرًا الأدب الثقافي.

يعتبر بلاّ Pellat أنّ الأدب الثقافي يضمّ المؤلفات التي تضع تحت تصرّف الأديب (وهو عادة من نخبة الطبقة السياسية الدينية) دليلاً ضخمًا أو موجزًا لمعطيات متنوّعة ينبغي عليه معرفتها ليحسبه من يخاطبه مثقّفًا. أمّا مصنّفات الأدب المهني فتتوجّه بالأحرى إلى من يمارس مهنة محدّدة أو يطمح إلى ممارستها (الكاتب، القاضي، النديم) فتصف له الكفاءات والسلوك والمعارف الضرورية لذلك أو تعلّق عليها. وأخيرًا فمصنّفات الأدب الأخلاقي تضمّ نصيحة الملوك أو نصوص تستنكر التصرّف المذموم، كتصرّف البخلاء.

من الملائم ألاّ نكتفي بتطبيق هذه الفئات الثلاث على وصف المصنّفات التامّة، بل أن نصف بها كذلك أقسامها وأبوابها لأنّ الأدب بطبيعته كثيرًا ما يقرن بين الأنواع الثلاثة في مصنّف واحد بل يضيف إليها أحيانًا أنواعًا أخرى. ويتجلّى ذلك مثلاً في أحدى أوائل «الموسوعات» الأدبية، وهي كتاب العقد الفريد لابن عبد ربّه. فهذا الكتاب قد يعتبر بأسره مصنّفًا في الأدب الثقافي. إلا أنّ قسمه في «السلطان» أو في «المتنبئين والمرورين والبخلاء والطفيليين» من الأدب الأخلاقي، في حين أنّ تطرّقه إلى «التوقيعات والفصول والصدور» من الأدب المهني، بينما ينتمي ما أورده في تأريخ الخلفاء أو في الغناء إلى الأدب الثقافي.

 تحوّل الأدب المتأخّر

كان من المسلّم به في تأريخ الأدب وذلك حتّى وقت قريب أنّ الأدب (بالمعنى العبّاسي) تباطأ تدريجيًا خلال قرنين، ما بين 1055 و1258م.، بدون أي تجديد، ثمّ انتقل من الخمول إلى الانحطاط حتّى القرن التاسع عشر. فقد كتب جابريلي Gabrieli على سبيل المثال : «بعد أن كان الأدب يبحث [عند الجاحظ] في طبيعة الإنسان وفي الثقافة (humanitas) صار مجمعًا تقليديًا وبقي على هذه الحال طوال فترة انحطاط الأدب والفكر العربيين المسهبة، أي حتّى النهضة الحديثة». وللتوّ بدأ الباحثون يناقشون مفهوم الانحطاط بحدّ ذاته وينظرون إلى هذه القرون الطويلة بعين جديدة لينصفوا (بعد أن أهملوه) جاحظ كلّ من هذه الفترات التي بالكاد بدأت دراستها .
ينبغي ألاّ يخفي تمادي الأدب الزمني تحوّلين جليين : انطلاقًا من القرن الخامس/الحادي عشر أضحى السجع وسيلة التعبير المستحسنة. والسجع يتأصّل في فترة ما قبل الإسلام عند الكهّان وقد طبع تطوّره بعلاقته الصعبة بالقرآن. إلاّ أنّه أتاح لبعض المؤلّفين الفذّين فرصة استكشاف طاقات اللغة العربية الصوتية والتصريفية والمعنوية والنحوية والإيقاعية بشكل آني، فأنتجوا نصوصًا ذات رخامة فائقة وبيان مذهل. ولكنّ السجع حين يغيب عنه النفس الإبداعي، سرعان ما يتحوّل الى مجرد «تلاعب بهلواني بالكلام» فارغ ورتيب وخالٍ من التشويق الأدبي.
والتحوّل الآخر يتعلّق بولوج رجال الدين المتأخّرين لا سيّما الغزالي (ت. 505/1111) وابن الجوزي (ت. 597/1200). في ميدان الأدب وأثر ذلك على المصنّفات الأدبية. فهم بخلاف أسلافهم أمثال الجاحظ أو ابن ابي الدنيا (ت. 281/894) صاحب الكتب الأخلاقية الإرشادية، ورثة نظام قديم العهد ومستقرّ. لم يقتصر دورهم على تجديد منظور الأدب الأخلاقي بعد أن عفى الزمان على بعض ملامحه تحت اعتبارات جمالية أو مدنية، بل تعدّاه – جليًا فيما يخصّ الغزالي – إلى تقديم تعريف نمطي جديد بالمسلم النموذجي المقيم في المدن، وهو تعريف يندمج فيه الأديب بالمثال النبوي.
يتضمّن الأدب العديد من الجوانب الأخرى المثيرة للاهتمام التي لن نستطيع التطرق اليها ولو بسرعة في إطار هذا المقال. فعسى أن
يواصل القارئ كشفها وارتيادها بالمطالعة بعد أن يلمح ما فيه من ثروات محفوظة عبر الزمن.

كاتيا زخريا

 بيبليوغرافيا

Algazi (G.), Drory (R.), Gaviano (M.-P.), « L'amour à la cour des Abbassides: Un code de compétence sociale », in {Annales. Histoire, Sciences Sociales}, 55/6, 2000, p. 1255-1282. [En libre accès sur Persée : [http://www.persee.fr/web/revues/home/prescript/article/ahess_0395-2649_2000_num_55_6_279915->http://www.persee.fr/web/revues/home/prescript/article/ahess_0395-2649_2000_num_55_6_279915] ]
Arjomand (S. A.), « 'Abd Allah Ibn al-Muqaffa' and the 'Abbasid Revolution », Iranian Studies, 27/1-4, 1994, p. 9-36.
Bauden (F.), Chraïbi (A.), Ghersetti (A.) (éd. par), Le répertoire narratif arabe médiéval, transmission et ouverture : actes de Colloque international (Liège, 15-17 septembre 2005) Genève, Droz, 2008.
Beaumont (D.), « A Mighty and Never Ending Affair: Comic Anecdote and Story in Medieval Arabic Literature », in Journal of Arabic Literature, 24/2, 1993, p. 139-159.
The Cambridge History of Arabic Literature, Cambridge, Cambridge University Press, vol. 1 (1983): Arabic Literature to the End of the Umayyad Period, éd. Beeston, Johnstone, Sergeant & Smith. Vol. 2 (1990): ʿAbbasid Belles-Lettres, éd. Ashtiany, Johnstone, Latham, Sergeant & Smith. Vol. 3 (1990): Religion, Learning and Science in the ʿAbbasid Period éd. Young, Latham & Serjeant, Cambridge.
Canard (M.) et Lecomte (G.), « Sur la vie scolaire à Byzance et dans l'Islam », in {Arabica}, 1/3, 1954, p. 324-336.
Carter (M.), « The Kâtib in Fact and Fiction », in Abr-Nahrain, 11, Melbourne, 1971, p. 42-55.
Charles-Dominique (P.), « Le système éthique d'Ibn al-Muqaffaʿ d'après ses deux épîtres dites "al-Saghîr" et "al-Kabîr" », in Arabica, 12/1, 1965, p. 45-66.
Cheikh-Moussa (A.) :
« Considérations sur la littérature d’adab ; présence et effets de la voix et autres problèmes connexes », in al-Qantara, XXVII/1, 2006, p. 25-62.
« Figures de l’esclave chanteuse à l’époque abbasside », in Henri Bresc{ }(éd.), {Figures de l’esclavage au Moyen Age et dans le monde moderne}, Paris, L’Harmattan, 1996, p. 31-76.
« La négation d’Éros où le ‘ishq d’après deux épîtres d’al-Jâhiz », in Studia Islamica-http://www.jstor.org.gate3.inist.fr/action/showPublication?journalCode=studiaislamica], 72, 1990, p. 71-119.
Cheikh-Moussa (A.), Toelle (H.), Zakharia (K.) (sous la dir. de), Vers de nouvelles lectures de la littérature arabe/Towards New Approaches of Arabic Literature, in Arabica, 46/3-4, 1999.<code/>

<code>Chejne (A.), « The Boon-Companion in Early 'Abbāsid Times », Journal of the American Oriental Society, 85/3, 1965, p. 327-335.
Drory (R.), « The Abbasid Construction of the Jahiliyya: Cultural Authority in the Making », in Studia Islamica, 83/1, 1996, p. 38-49.
Encyclopédie de l'Islam, Comité de rédaction : P. Bearman ; Th. Bianquis ; C.E. Bosworth ; E. van Donzel ; H.A.R. Gibb (Volume I: 1-320) ; W.P. Heinrichs ; J.H. Kramers ;  G. Lecomte; E. Lévi-Provençal ; B. Lewis ; V.L. Ménage ; Ch. Pellat ; J. Schacht. Brill, seconde édition anglaise 1960-20041 ; seconde édition française 1975-20091.
Gelder (G. van):
« Mixtures of Jest and Earnest in Classical Arabic Literature. Part I », Journal of Arabic Literature, Vol. 23/2, 1992, p. 83-108.
« Mixtures of Jest and Earnest in Classical Arabic Literature. Part II », in Journal of Arabic Literature, 23/3, 1992, p. 169-190.
Geriès (I.), « Le système éthique d’al-Jâhiz », in Studia Islamica, 56, 1982, p. 51-68.
Grignaschi (M.) :
« Le Roman Épistolaire Classique Conservé dans la version Arabe de Sâlim abûl-’Alâ’ », in Le Museon, 80, Louvain, 1967, p. 211-64.
« Les Rasâ’il Arîstâtalîsa ilâ l-Iskandar de Sâlim Abû l-’Alâ », in Bulletin d’Études Orientales, 19, Damas, 1965-1966, p. 7-83.
Kennedy (P.), ed., On Fiction and Adab in Medieval Arabic Literature, Wiesbaden, 2005.
Kilpatrick (H.), Making the Great Book of Songs: Compilation and the Author’s Craft in Abû I-Faraj al-Isbahânî’s Kitâb al-aghânî, New York, Routledge Curzon, 2002.
Lecomte (G.), Ibn Qutayba, mort en 276/889 : l’homme, son œuvre, ses idées, Damas, IFEAD, 1965.
Nallino (C.A.), La littérature arabe des origines à l'époque de la dynastie umayyade, trad. Ch. Pellat, Paris, G.P. Maisonneuve, 1950.
Pellat (Ch.) :
«Variations sur le thème de l'adab », in Correspondance d'Orient, Etudes V-VI, 1964 ; repris dans Études sur l'histoire socioculturelle de l'Islam, Londres, Variorum Reprints, 1976.
Langues et littératures arabes, Paris, Armand Colin, 1970.
Le milieu basrien et la formation de Gahiz, Paris, Maisonneuve, 1953.
« al-Jâhiz jugé par la postérité », in Arabica, 27/1, 1980, 1-67.
« La prose arabe à Bagdad », in Arabica, Volume spécial publié à l'occasion du mille deux centième anniversaire de la fondation de Bagdad, 9/3, 1962, p. 407-418.
« Les esclaves-chanteuses de Jâhiz », in Arabica, 10/2, 1963, p. 121-147.
Schœler (G.), Écrire et transmettre dans les débuts de l’islam, Paris, PUF, 2002.
Sellheim (R.), « The Cataloguing of Arabic Manuscripts as a Literary Problem », in Oriens, 23/24, 1974, p. 306-31.
Sicard (F.), « L'amour dans la risâlat al-qiyân : Essai sur les esclaves-chanteuses de Jâhiz (†255/868) », in Arabica, 34/3, 1987, p. 326-338.
Smyth (W.), « The Making of a Textbook », in Studia Islamica, 78, 1993, p. 99-115.
Soravia (B.), « Les manuels à l'usage des fonctionnaires de l'administration ("Adab al-Kâtib") dans l'Islam classique », in Arabica, 52/3, 2005, p. 417-436.
Sourdel (D.), Le vizirat ‘abbâside de 749 à 936, 2 vol., Damas, IFEAD, 1960.
Stewart (D.J.), « Saj‘ in the Qur’ân: Prosody and Structure », in Journal of Arabic Literature, 21, 1990, p. 101-139.
Touati (H.) :
« La dédicace des livres dans l'Islam médiéval », in {Annales. Histoire, Sciences Sociales,} 55/2, 2000, p. 325-353.
« Pour une histoire de la lecture au Moyen Âge musulman : À propos des livres d'histoire », in Studia Islamica, 104-105, 2007, p. 11-44.
Zakharia (K.),
« Le secrétaire et le pouvoir : ‘Abd al-Hamîd Ibn Yahyâ al-Kâtib », in Annales islamologiques [17], Le Caire, 1999, p. 77-93.
« Le moine et l’échanson ou le Kitâb al-diyârât de Šâbuštî et ses lecteurs : une certaine représentation du couvent chrétien dans le monde arabo-musulman médiéval », in Bulletin d'études orientales, tome LIII, Damas, Institut Français d'Etudes Arabes de Damas, 2001-2002, p. 59-73.
« C’est cela qui entre “Nous” et “Eux” fait la différence, le concept de nisba dans le Kitâb al-Bayân wa’l-Tabyyîn », C. de La Puente (éd.), Identitades Marginales, Estudios Onomastico-biogrâficos de al-Andalus [vol. XIII], Madrid, csic, 2003, p. 15-51.
« al-Ghazâlî, conseilleur du prince »,  in Cheiban A., Zakharia K. (coordonné par), Savoirs et pouvoirs – Genèse des traditions et traditions réinventées, (journées du GREMMO - Maison de l'Orient), Lyon, Paris, Publications de la Maison de l’Orient, Maisonneuve et Larose, 2007, p. 210-234.
« Pudeur moyenâgeuse ? Approche du vêtement féminin dans la prose littéraire abbasside », in Actes du colloque « Les voiles dévoilés, pudeur, foi, élégance », Université de la Mode, Université Lyon 2, Editions Lyonnaises d’Art et d’Histoire, 2009, p. 78-87.
« Processus et apports du dialogue dans le domaine de la littérature, dès le Moyen Âge, entre le monde arabo-musulman et l’Europe et entre le Monde Arabe et l’Occident », in Sténou C. (éd.), Vadémécum interculturel : itinéraires scientifiques, philosophiques, littéraires et artistiques entre le monde arabo-musulman et le monde occidental (du VIIe au XIXe siècle), Publications de l’UNESCO, parution prévue 2011.
« Genèse et évolution de la prose littéraire : du kâtib à l’adîb», in Bianquis Th., Guichard P. et M. Tillier (éds), Les Débuts de l’islam (VIIe-Xe siècle). De Muhammad aux dynasties autonomes, Paris, PUF (La Nouvelle Clio), 2012.
Zakharia (K.), Toelle (H.), À la découverte de la littérature arabe, Paris, Flammarion, 2003 ; rééd. Flammarion, collection Champs, 2005.
Zumthor (P.), {La Lettre et la voix, }Paris, 1987, p. 17-21.

للتوثيق:
كاتيا زخريا،"أدب في الثقافة العربية الكلاسيكية"، في هواري تواتي، موسوعة النزعة المتوسطية، ربيع2014، http://www.encyclopedie-humanisme.com/ أدب