الصفحة الأساسية > العربية > ط > طباعة

طباعة

ثقافة الطباعة في السياق الإسلامي

كل اصدارات هذا المقال: [عربي] [English]


إلى غاية وقت قريب كانت المفاهيم العامة حول الكتاب في العالم الاسلامي كلها مرتكزة على المخطوطات. في حين اهمل دور الطباعة وهمِّش كليا. ولكن لفهم دور الكتاب في المجتمعات الاسلامية، الذي يختلف باختلاف الازمنة والأماكن، حاملا في طياته عناصر ثابتة وأخرى متغيرة، من المهم إذن دراسة كل اشكال وطرق الانتاج الكتاب، وأثارها أجتماعيا وثقافيا. يعني هذا الاهتمام بالطباعة والمخطوطات في آن واحد، لأن استبدال الثانية بالاولى (المخطوطات بالكتاب المطبوع) كان له نتائج مهمة على تلك المجتعمات، كما هو الشان تماما مع بداية الطباعة في أوروبا الحديثة. على الرغم من الاختلاف الزمني-في استعمال الطباعة- بين العالمين.

 ثورة متاخرة في الطباعة

لمعرفة جذور الطباعة في عند المسلمين علينا العودة إلى بداية العصر الحديث، بل الذهاب إلى ثمان قرون قبل ذلك، أي إلى العهد الفاطمي. بما أن الطباعة (الخشبية xylographie) وجدت في الصين مبكرا، لضرورة انتاج عدد كبير من النصوص الدينية، ليس بغرض قراءتها فحسب بل كأشياء لها خصوصيتها وهالتها الدينية، تمنح امتيازات وحماية لمالكيها. مارس المسلمون هذا النوع من الطباعة ابتداء من القرن العاشر. طباعة على بواسطة ألواح خشبية تتم على ورق على الاقل لوحتين على الورقة البردي الواحدة، وجدت عينات منها في مصر، حفظ بعضها في مجموعات مخطوطية وبعضها عن طريق منقوشات وحفريات. واحدة من تلك المجموعات من الملكيات العائلية في أفغانستان أو ايران. على الرغم من أنه لا توجد أي عمل حول ذلك باستثناء اشاراتين ضمنيتين في ابيات شعرية يعود تاريخ الاولى إلى القرن العاشر والثانية الى القرن الرابع عشر، بذكر استخدام "الطرش" في كتابة التمائم، الطرش لفظ استخدم في فترة متاخرة من تاريخ الاسلامي للدلالة على الالواح المحفورة أو مطرقة خاصة تستخدم لكتابة عدد من النسخ القرآنية أو الطلاسم لبيعها للمحتاجين اليها. شكل بعض القطع التي تم انقاذها لا يدل على أي ذوق أدبي أو فني كما يبين الغرض الذي انجزت لأجله، لذلك الكتابة في هذا المستوى لم تكن بعد فنا ولا خطا يحضى بالاهتمام والزخرفة، يغلب عليها الاخطاء المتكررة في العديد من النصوص القرآنية. تحتوي بعض البرديات التي وصلتنا على افتتاحية تعلو النص ذات تشكيلات يختلط فيها الحرف مع أشكال زخرفية، أحيانا أبيض على أسود والذي يكون قد طبع من لوحين متفرقين. وجدت كذلك بعض الأشكال التي تم طبعها على ألواح في الصفحات الاخيرة من المخطوط. اصل هذه الطريقة مجهول: ربما من الصين او أسيا الوسطى، ولكن الاختلاف واضح في تقنية استعمالها هنا. وإحتمال أن تكون لهذه الطريقة علاقة بطباعة الاشكال على القماش، التي كانت مستعملة في مصر القرون الوسطى.

يعتقد بعض المفكرين أن هذه الخلفية التاريخية قد تكون قد لعبت دورا في اكتشاف الطباعة في اوروبا عدة قرون بعد ذلك. رغم أنه لا يجود أي دليل على ذلك بعد، والاجابات النهائية عن الاسئلة الخاصة بنشأة الطباعة في العالم الاسلامي ف يالقرون الوسطى ما تزال تنتظر أعمال الباحثين من أجل إكتشافها وإجراء أبحاث معمقة حولها. اهتمام المسلمين بالطباعة بتقنية الالواح اختفت كليا في القرن الخامس عشر، رغم هذا فان المسلمين المتأخرين اعتمدوا تقنية مشتقة منها لانجاز أشكال مطبوعة للزينة باستعمال قطع خشبية مثبتة بشكل متقاطع، ولكن لا شيء يوحي بأنها كانت مستعملة –يوما- في صناعة الكتب أو أي نصوص أدبية ولا بأي شكل من الاشكال. لأن سيطرة النساخ على الكتابة والكتب في العالم الاسلامي استمرت إلى غاية القرن الثامن عشر، لذلك علينا البحث عن اصول الطباعة أو الكتب المطبوعة العربية ليس في العالم الاسلامي ذاته وإنما في أوروبا.

يلوح لنا هنا سؤالين أو مجموعتين من الاسئلة، رغم انه في الوضع الراهن لمستوى معرفتنا لا يبدو لنا من السهل الإجابة عنها بشكل كلي ونهائي:

الأوّل: لماذا لم تتطور تقنية النسخ بواسطة الالواح لتشمل إنتاج ونسخ أعداد من الكتب، كما عليه الشأن في الصين؟ هل كان هذا بسبب نفور بعض العلماء المسلمين من كل صناعة آلية للنصوص التي تحمل اسم الله، مثلما أكد ذلك العديد من المختصين؟ في هذه الحالة، لماذا إدن كانت تلك التمائم تكتب بواسطة الالواح تقبل من دون أي اشكال، رغم انها تحتوي على ابتهالات وتضرع لله، في حين معظمها يحمل آيات من القرآن؟ أم أنه عزوف غريزي من العلماء والكتاب والنساخ في قبول طريقة صناعة الكتب التي قد تؤدي إلى فقدان سيطرتهم على العلم وتحكمهم فيه واشرافهم عليه، وتهز مكانتهم وسلطانهم الروحي والفكري على الجماعة؟

الثاني: لماذا –حسب ما يظهر- اختفت الطباعة في العالم العربي في حين كان يشهذ هذا الأخير تغيرات اجتماعية واقتصادية ووفرة كبيرة في الورق وزهد ثمنه، الذي من شانه أن يفتح الطريق أمام ثقافة أدبية في العالم الاسلامي وأوروبا على حد سواء؟ بعبارة أخرى، لماذا تخلى العرب عن الطباعة رغم أنها كانت بحوزتهم -قبل ثقافة الطباعة- في الوقت الذي ستتطور فيه ثقافة الطباعة عند غيرهم؟

ميلاد الكتاب المطبوع مرهون بتطور التيبوغرافيا-تنضيد الحروف وترتيبها والقدرة على تحريكها-. تتميز الكتابة بالحرف العربي بتلاصق وجر الحروف، مما يشكل صعوبة كبيرة ومشاكل في طباعتها عكس الحروف الرومانية، الاغريقية، العبرية، التي كانت محل اهتمام الاجيال الاولى من التيبوغرافيين (في أوروبا). لا يتطلب الامر مهارة عالية في الحفر وضرب السكة فحسب –خاصة إذا تعلق الامر بمحاكاة القواعد الكاليغرافية (الخطية)- إنما يجب توخي الدقة في القوالب وتثبت المسافة بين الأشكال المتجاورة بمراعاة أن لا تظهر تلك المسافة بين المقاطع المراد طبعها. كما على المصفف أن يحذر من الخطأ في تشكيل الحرف. والحفاظ على شكل الحرف واحترام طريقة كتابته إن كان في بداية، وسط أو آخر الكلمة أو حرفا منفردا، لذلك يحتاج المصفف الى عدد كبير من الحروف المركبة، ثنائيات،او مجموعات. وإذا كانت الحركات (الاعرابية) متوفرة –النصوص القرآنية أو بعض النصوص الاخرى- فإن الحاجة الى أشكال أخرى ضرورية. للحصول على طقم حروف (مطبعية) للغة العربية كاملا يجب اعتبار أكثر من ستة مئة صيغة أو شكل. وهذا استثمارا ضخم، الإمكانيات الاقتصادية-لوحدها- كفيلة بعرقلة تطور الطباعة في العالم العربي مقارنة بنظيرتها الاوروبية.

ظهرت الطباعة العربية بواسطة الحروف المتحركة في إيطاليا بداية من القرن السادس عشر. تم طبع أول كتاب خاص بأدعية وصلوات مسيحية حوالي سنة 1514 ميلادي. متبوعا بنص عربي للقرآن، في البندقية سنة 1537/38، ويحتمل أن يكون هذا محاولة تجارية قصد تصدير الكتاب القرآني إلى العالم الاسلامي. لأنه كتب بشكل يبتعد كليا عن القواعد المتعلقة بالخط العربي وهذا أمر لا يتغاضى عنه المسلمون، كما احتوت عيوبا في تحريك (الالفاظ) وأخطاء في الترقيم والنقص وعدم الدقة بالاضافة إلى أخطاء أخرى مست النص القرآني ذاته. بهذا ظلت إيطاليا المركز الاهم بالنسبة لانتاج الكتب باللغة العربية طيلة القرن السادس عشر، وبدأت تعرف بعض الحس الجمالي والرقي والمهارة الفنية في إنتاج الكتاب العربي مع بداية 1580 ميلادي، وتواصل ذلك إلى أن بلغوا مستوى عالي في التخطيط الفني. عن طريق استعمالهم السخي والمتعدد لمجموعات الحروف المركبة، المنسوخة من اجمل وأحسن المخطوطات. استعملت تلك الخطوط في منشورات المطبعة الميديتشية بين روما والمشرق الكائنة في روما ما بين سنتي 1590 و1610، انجزت الكثير من الاعمال من بينها نصوص اسلامية موجهة إلى التصدير للامبراطورية العثمانية. غير أن هذه النصوص لم تحض بالترحيب، ومن ثم مصادرتها ومنعها، إلا أن تدخل السلطان العثماني سنة 1588 بإصدار قرار يمنع ذلك، ويسهل دخول الكتب الى ارجاء الامبراطورية بفضل هذا المنشور السلطاني عرفت الكتب المطبوعة نجاحا تجاريا متواضعا وهذا لم يمنع بعض المسلمين من استخدام هذه الكتب كما هو مذكور في تهميشات بعض النسخ التي امتلكها الخواص.

كتب اخرى باللغة العربية، الفارسية والتركية طبعت في أوروبا طيلة القرنين السادس عشر والثامن عشر، كانت إما موجهة الى العلماء الاوروبيين، او نصوص خاضعة لمراقبة كبيرة تنجز خصيصا لمسيحيين عرب.

انتشرت الطباعة في العالم الاسلامي -نفسه- في أوساط غير المسلمين الذين يعيشون فيه. استعملت لطباعة نصوص عبرية، أرامية، سوريانية، اغريقية ورومانية طيلة ثلاثة قرون (الخامس عشر الى غاية القرن الثامن عشر). إلا أن الطباعة بالخط العربي-الذي يستعمله- أغلبية المسلمين، تأخرت إلى غاية القرن الثامن عشر: وقبل هذا الكتب المطبوعة بالخط العربي كانت كلها-على قلَّتها- مستوردة من أوروبا.

لماذا إذن، لم يعتمد المسلمون الطباعة الف سنة بعد اختراعها في الصين، و250 سنة بعد انتشارها في اوروبا الغربية، رغم استخدامها من طرف غير المسلمين في العالم الاسلامي؟ لمعرفة أسباب هذا التأخر يجب أولا البحث في طبيعة المجتمعات الاسلامية ذاتها، وفي الدور الكبير الذي يوليه المسلمون للكلمات على المستوى الديني والاخلاقي. كان ارتباط المسلمون بالمخطوطات وثقافة الكتابة عميقا جدا، ولا شك في أن هذا السبب الرئيسي للتردد المسلمين ومقاومتهم للطباعة، تنضاف اليه بعض الاسباب الخاصة.

باستثناء آسيا الشرقية، فإن الطباعة بالحرف المتحرك (الالواح) كانت الطريقة الوحيدة المستعملة في انتاج الكتاب المطبوع قبل القرن التاسع عشر. شمل ذلك تصنيع أدوات ختم (أداة دمغ) وقوالب وتنضيد الخاص بكل الحروف ذات الطابع الفردي، والتركيب بين حروف الابجدية بمختلف اشكالها في مجموعات، ومن ثمة ضم تلك المجموعات المتفرقة من أجل إنشاء أسطر النصوص وصفحات الكتب المراد طبعها. بعيدا عمَّا امكن للملسمين تبصره من صعوبات، فإن هذا لم يكن دون صعوبات متعلقة بعملية تركيب وتصفيف الخطوط، وعلاقة ذلك بالاعتبارات الجمالية و"الروحانية" الكامنة فيها. ميكنةالكتابة (الكتابة بالألة) وتقسيمها هي في نظر المتديين المسلمين بمثابة تدنيس الخط العربي المقدس. لم يكن من الممكن تخيُّلِ كتابة القرآن بوسائل مماثلة، ليس هذا فقط بل إن نصوصا أخرى تحمل اسم الله –حال معظم الكتب- اعتبرت هي الأخرى من طرف علماء وقراء مسلمين ممتنعة عن الطباعة بطرق الانتاج تمكن من وصولها إلى العامة. صاحب ذلك انتشار اشاعات مثل استعمال مداد مصنوع من شعر الخنازير في الطباعة، الذي يدنس الاسماء المقدسة. رغم هذه الاعتبارات، إلا أن طرق الحديثة في طباعة الكتاب ستنتصر على الأطراف المستأثرة بالسلطة الفكرية والمكونة من طبقة العلماء، لتهدد باختلال التوازن الموجود بين السلطة السياسية وسلطة هؤلاء العلماء. وفي الواقع أن هذا سبب رئيس يفسر دعم بعض الحكام المتنورين للطباعة في القرنين الثامن والتاسع عشر. رغبة منهم في خلق طبقة جديدة موسعة مكونة من عسكرييين وإداريين، مهتمة بالعلوم الحديثة والعلم التقليدي، أمر يمكن ان يدعم سلطة الدولة من جهة أمام طبقة العلماء، ومواجهة التهديدات الخارجية. في حين اعتبرت الصحافة المكتوبة وسيلة ضرورية لبلوغ هذا الهدف.

الحديث عن الوصول المتأخر للطباعة والصحافة الى العالم الاسلامي أمر مبالغ فيه. طلما أثار حفيظة المؤرخين الاوروبيين، لأنهم نظروا الى الأمر بوجهة نظر المركزية الاوروبية. طرحهم لاسئلة لماذا وكيف، ان المجتمع الاسلامي امكنه مواصلة اتناجه للكتب دون حاجته إلى إبتكار جوتنبرغ Gutenberg، التي تستند عليها الحداثة الاوروبية؟ الاجابة عن هذا التساؤل هي : أنهم واصلوا فعل ما قاموا به في مختلف مراحل حضارتهم العالمة، بتدوين ونشر نصوصهم عن طريق المخطوطات.

تطورت الدول: العثمانية، الصفوية والماغولية لمدة ثلاث قرون بعد ابتكار جوتنبرغ وحققت الثراء وتطور دون الحاجة إلى الطباعة. لكن ليس إلى غاية القرن التاسع عشر، أين عرفت اوروبا تفوقا وتطورا علميا وتقنيا كبيرا وفي نفس الوقت تهديدا، دفع العثمانيون إلى الاهتمام بالصحافة. وما يهمنا هو ما حدث بعد ذلك وليس ما لم يحدث من قبل.

أول طباعة بالحرف العربي في العالم الاسلامي تعود لسنة 1706 في حلب(سوريا)، إلا أن الطباعة بالحرف العربي ظلت بأيدي المسحيين العرب في سوريا ولبنان لأكثر من مئة سنة، اثناء ذلكن العثمانيون في تركيا اهتموا بالطباعة وبعثها في اسطنبول في العشرية الثانية من القرن الثامن عشر، عندما أقدم ابراهيم متفرقة (1674-1744) على البدء بطباعة خرائط طوبوغرافية محفورة. ينخرط هذا ضمن برنامج للعصرنة في العاصمة العثمانية، ست سنوات بعد ذلك أسس متفرقة دار الطباعة في الاستانة بالحروف العربية المقسمة، المنضدة والمصنعة محليا على نموذج الخطوط النسخ السائدة في ذلك العصر. وأول كتاب تم طبعه في مطبعة متفرقة كان عبارة عن قاموس عربي-تركي سنة 1729 في خمس مئة نسخة، تلاها ستة عشرة كتابا باللغة التركية العثمانية، في طبعات تتراوح ما بين خمس مئة وألف ومئتين نسخة، قبل غلق المطبعة سنة 1742. معظم الاعمال التي طبعت كانت في الكتب العلمية (العلمانية) حول التاريخ، الجغرافيا، اللغة، السياسة (ألف متفرقة نفسه كتابا في السياسة)، الملاحة، والمواقيت- في حين استمر منع طبع القرآن والكتب الدينية. زّين كثير منها بخرائط أو منقوشات تصويرية. باستثناء اعادة طبع واحدة سنة 1756 لم يستانف عمل المطبعة إلا بعد سنة 1784، ومنذ ذلك التاريخ عرفت المطبعة في الدولة العثمانية في جانبها التركي نشاطا متواصلا إلى غاية تغيير الحروف العربية إلى الحروف الرومانية سنة 1928.

رغم ما أثير حول مطبعة متفرقة في القرن الثامن عشر من انها كانت "فاشلة" وأن طبعاته لم تكن إلا ظواهر معزولة في تاريخ الحياة العلمية والثقافية التركية، وأن معظم الكتب التي طبعها لم توزع وظلت محدودة جدا وذات استعمال فردي. إلا أن الابحاث التي قام بها اورلين صابف Orlin Sabev من جرد الكتب والوثائق من نفس الحقبة تثبت أن تلك الكتب المطبوعة كانت معروفة ومتداولة في اوساط الطبقات المتعلمة المعاصرة له، خاصة الادارية والرسمية، وأن ما بين 65 الى 75 في المئة من الصحافة قد بيعت او وزعت قبل وفاة متفرقة سنة 1747. صحيح أن طباعة الكتاب في القرن الثامن عشر وأثره كانت محدودة مقارنة بـــ la incunabula غرب أوروبا قبل ذلك بقرنين كاملين، وأن عملية نقل المعرفة عن بواسطة المخطوطات هي الطريقة السائدة. على الرغم من ان الطريق أصبح مفتوحا أما الطباعة إلا أنها لم تصبح عاملا من عوامل التغيير في العالم الاسلامي.

بدأت الطباعة باللغة العربية في مصر مع مطابع الاستعمار الفرنسي بين سنتي 1798 و1801، التي كانت تستعمل الحروف العربية التي تعود الى القرن السابع عشر المستعملة في اوروبا آنذاك. إلا أن إنتاجها كان ضئيلا نسبيا وسرعان ما تم سحب كل معدات المطبعة فور توقف الحملة الفرنسية. قصة بداية الطباعة في هذا البلد العربي الاسلامي، لم تتوقف هنا بل تواصلت ويؤلخ لها عموما ب سنة 1822، عندما خرج الكتاب الصحف يالاول في عهد محمد علي (حاكم مصر من 1805 الى 1848)، عرفت بمطبعة بولاق، اسم المكان الذي كانت فيه المطبعة قرب القاهرة. اسسها تقني تلقى تدريبه في ايطاليا، نيقولا مسابيكي (ت. سنة 1830)، جلبت الحروف التي استعملت بادئ الامر من مدينة ميلان: ذات السمات الاوروبية البارزة عليها، لكن سرعان ما تم استبدالها بحروف ومقاطع ومصفوفات أخرى بخطوط محلية، نقلا عن خط نسخي محلي-خط صعب التقليد واستخدم لاغراض نفعية لا فنية- كما حددوا بهذا الطباعة ليس في مصر فقط ولكن في بلدان عربية اسلامية أخرى، في ما تبقى من القرن التاسع عشر. طبع في العشرينية الاولى (من 1822 الى 1842) أكثر من 250 عنوانا ما بين كتاب ادبي وديني، لكن أغلبها كانت كتب تقنية وعسكرية، مناشير رسمية، كتيبات في المراسلات، وترجمات لاعمال علمية وتاريخية اوروبية. شهدت مصر ما بعد محمد علي بعض التغيرات، أدت الى تغير وتيرة عمل مطبعة بولاق التي أصبحت منذ سنة 1860 حاملة مشعل النشر في مصر. فتم تجديدها كليا ما بين سنتي 1866 و1872، وتزويدها بتقنيات ومعدات خطية واشكال ومكنات مستوردة من باريس، وتحسين شكل الخط. حيث بلغ عدد منشوراتها نهاية القرن اكثر من 1600 عنوان، حوالي عشرين (20) بالمئة من مجموع الكتب المطبوعة. في حين أن المطبعات الأولى في العالم العربي كانت تطبع كتبا بالعربية والتركية للمسلمين، فإن منشورات بولاق احتلت مكانة حاسمة في تاريخ الكتاب العربي والاسلامي. رغم أن توزيع كتبها في البداية لم يكن إلا على نطاق ضيق ومحدود، مع ذلك فقدت حددت ولأول مرة المعايير والمقاييس العامة لنشر وتوزيع النصوص. كتب في التربية، العلوم التقنية، كتب تاريخ لاحقا، أدب، وكتب دينية استطاعت ان تصل الى اكبر قدر ممكن من المتعلمين بشكل غير مسبوق، رغم مقاومتها الشديدة. سمح هذا الانتشار بتشكيل جمهور جديد من القراء، في فضاءات عامة جديدة ومغايرة. لم ينحصر تأثير منشورات بولاق في مصر فحسب بل امتد إلى بلدان اخرى من خلال تصدير مطبوعاتها، إلى تركيا، سوريا، لبنان، فلسطين، وباقي البلدان الاسلامية، مما شجع على على انتشار الطباعة فيما وراء وادي النيل.

قام بعض رجال الدين المسيحيون بجلب عدد كبير من الكتب من الشرق الاوسط في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. معظم تلك الكتب طبعت في المطابع البريطانية وفي مالطا ما بين سنة 1825 و1842، تظم اعمال تربوية تعليمية علمانية، بالاضافة الى مناشير دينية، تم استيراد الحروف أولا من إنجلترا، لكن ابتداء من 1830، انتجت مقاطع من الحروف محليا على نماذج خطوط فنية. وهذه التقنيات بدورها حددت معايير جديدة بين مستعمليها من الطلبة العرب (مسلمون، يهود ومسيحيون)، واستمرت هذه العملية لغاية وقت متار من طرف مطابع البعثات الامريكية في بيروت. رافق ذلك إدخال اشكال خطوط جديدة نهاية الاربعينيات من القرن التاسع عشر (1840)، على نماذج خطوط معروفة مثل: "العربي الامريكي"، كان مستعملا من طرف مطابع اخرى في العالم العربي، اعتمدت البعثات اليسوعية في بيروت حوالي 1870 شكلا تقليديا، لكنه اوضح وأدق، مكتوب على نماذج خطوط تركية انتشرت مع الوقت وعرفت شهرة شعبية في كل الشرق الاوسط.

تم افتتاح مطابع بالعربية من طرف بعثات كاثوليكية في القدس سنة 1847 وفي الموصل سنة 1856: استعملت في كلا المطبعتين خطوط مستوردة من أوروبا. أما أول مطبعة في العراق فقد بدات ف يالعمل في بغداد سنة 1830، مستخدمة طقم حروف مطبيعة كذلك المستخدم في إيران، صنع في تبريز حوالي سنة 1817 وفي طهران حوالي سنة 1823: خط نسخ أنيق ذو طابع فارسي. بالمقابل لم يكن خط النستعليق من الخطوط المفضلة والمحببة في ايران، رغم انتشاره هذا النمط في تقاليد نسخ المخطوطات (بما فيها الطباعة الحجرية). غير انه اعتمد في الهند منذ 1778 وتواصل استعماله في نفس الوقت لكتابة اللغة الفارسية والاوردية الى غاية منتصف القرن التاسع عشر، اعيد إحياؤه فيما بعد في حيدر أباد.

ازدهر الخط العربي ابتداء من منتصف القرن التاسع عشر الى غاية يومنا هذا، مع انتشار مؤسسات نشر وطباعة في كل من دمشق سنة 1855، في تونس سنة 1860، في صنعاء سنة 1877، في الخرطوم في 1881، مكة سنة 1885. اعتمدت معظم هذه المطابع على خطوط محلية حسب تقاليد بولاق واسطمبول، كما طبعت الكتب والجرائد على حد سواء.

تم طبع العديد من الكتب ابتداء من سنة 1820، ليس بتقنية الحروف المطبوعة فقط لكن بطريقة هجينة في طباعة الكتب: مثل الطباعة الحجرية. كانت طريقة مفضلة خاصة في المغرب، ايران، وفي آسيا الوسطى، جنوب وجنوب شرق آسيا: ازاحت التقنية الحجرية الطباعة المنضدة وحلت محلها لما يقارب نصف قرن، ينفرد العالم الاسلامي بهذه الخاصية فيما يتعلق بتاريخ الطباعة لانه لم يشهد لها مثيل في التجربة الاوروبية. علما أن الطباعة الحجرية في أوروبا كانت تستخدم في طبع الخرائط الجغرافية فقط، او لطبع رسوم، نقوش أو صور، لكن المسلمين استخدموها في إعادة طبع نصوص وكتب باكملها منقولة بخط اليد ليتمكنوا من الحفاظ على عناصر التي تعودوا عليها في إنتاج المخطوطات الاسلامية، والخط العربي كاملا، بما فيها بعض الخطوط العصبة التقليد في المقاطع المتحركة المستخدمة في الطباعة العادية. مثلما وفرّت هذه الطريقة استثمارات ضخمة في المطابع التي تعمل بالحروف المتحركة. إلا ان هذا قد يعني ان لها بعض الآثار الواضحة (الواعية) والضمنية في توحيد ضوابط تقديم النصوص، وميلاد روح جديدة لنمط ناجم عن الطباعة، كما تشرحه الزابيت اسنشتين Elizabeth Eisenstein، في مقارنة مع بداية الطباعة في أوروبا الحديثة، فغن تطبيقاتها لم تكن نفسها في مختلف المجتمعات التي سادت فيها هذه الأساليب. من جهة اخرى فإن تكلفة، وقبول طباعة هذه الكتب المطبوعة يعني-نصوص في معظمها كلاسيكية وتقليدية- قد نشرت على نطاق واسع. في هذا المعنى، فإن الطباعة الحجرية قامت بنفس الدور–إن لم يكن أهم- "في ثورة الطباعة." يمكن للنصوص المطبوعة بهذه التقنية- في أحسن- أن تنافس المخطوطات ذات الجودة العالية، لكن في أسوأ الحالات يمكن ان تنتج نصوصا عبارة عن خربشة رمادية بالكاد مقروءة.

عرف نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، إعادة إحياء لتقنية الطباعة بالحروف العربية المتحركة في الشرق الاوسط، مع تحسن كبير في الحكم واشكال الحروف، خاصة في مصر، اين عرفت دخول أشكال حروف جديدة في مطبعة دار المعارف ومنشورات بولاق، التي عادت مرة أخرى إلى وضع مقاييس نشر واضحة وأنيقة ابتداء من 1902. إدخال آلات حديثة (لينوتايب) مسطرة تستخدم في جمع وتنضيد الحروف (من المعدن الساخن) ساعدت على تبسيط وترتيب النصوص في الكتابة العربية، مبتعدة بذلك عن الخطوط التقليدية القديمة والمخطوطات.

يجب الاشارة إلى العناصر الاخرى التي ميزت اول الكتب في العالم الاسلامي إلى جانب أنماط الخطوط. كما هو شأن l’incunabula الاوروبية من قبل، كالرغبة –أولا- في تقليد المخطوطات والخطوط التي تكتب بها. تصفف الحروف والكلمات بعضها بمحذاة بعض، ينقصها التقطيع إلى فقرات وتفتقر إلى علامات الترقيم، اما المساحة التي يكتب عليها النص في الغالب محاطة بتهميشات أو شروح او تعليقات على الحواشي الاربع للصفحة. تستعمل عادة الحبر الاحمر بكتابة العناوين والكلمات المفتاحية، تماشيا مع تقاليد المخطوطات. تكتب خاتمة المؤلف في شكل مثلث مقلوب مدبب الراس الكتب بشكل تقليدي للمخطوطات. بينما لا تحتوي الكتب على صفحة خاصة بالعنوان بل يدوّن العنوان في ظهر الصفحة الاولى مزخرفا باشكال للزينة، وتذكر معه البسملة أحيانا. كانت أقدمها محفورة على الخشب، سرعان ما تغير ذلك مع تطور التقني، وأصبحت تصنع من ازهار وزخرفات اخرى للقطعة الواحدة، محاكاة الطريقة الاوروبية في الطباعة التي تعود أصولها الجمالية الموجودة في الاشكال الهندسية وبحمض الفوليك لاعادة تصوير اللا نهائي في الفن الاسلامي. عرفت نهاية القرن التاسع عشر إنتشار العديد من التصاميم المشرقية الزائفة واستعملت في العناوين والحدود (حدود تاطير صفحات الكتابة)، خاصة في تركيا العثمانية، تعكس ذوقا أوروبيا اكثر منه ذوقا محليا، كما سيواصل الفن الاوروبي تأثيراته على المنطقة مثل الفن الحديث، يمكن ملاحظة ذلك في زخارف المستخدمة للزينة، وفي تصاميم الصفحات، في الوقت الذي بدأت فيه المعايير الاوروبية تبسط سيطرتها عبى عملية انتاج الكتاب في العالم الاسلامي من: عنوان، صفحات، فقرات، رأس الصفحة.

كما أن علامات الترقيم تعد إحدى العناصر الحديثة التي رافقت طباعة الكتاب العربي على الطريقة الأوروبية. على عكس ما كان معمولا به في المخطوطات ذات الترقيم البسيط وانتقلت هذه العادة الى الكتاب المطبوع واستمرت الى غاية نهاية القرن التاسع عشر، رغم محاولات نقل نمط إنتاج الكتاب الاوروبي كاملة التي قام بها الكاتب فارس الشدياق (1805-1887)، منذ سنة 1830. ولم تعتمد تلك الطريقة بشكل كلي الا في اقلرن العشرين.

أدخلت مطابع فارس شدياق "الجوائب" في اسطنبول تحسينات مهمة في تصميم الكتب العربية في سنوات 1870 و1880. فقد تخلصت الكتب من الكتابة على الهامش والنجف التي كانت تزين الكتب القديمة. أضيفت في بعض الحالات عناوين الفرعية الى العنوان الرئيسي، للتذكير بعنوان أو رقم الفصل، أو الجزء في اعلى كل صفحة كطريقة للاستدلال على الفصول داخل الكتاب. إذ لكل فصل عنوانه الخاص. يظهر بشكل منتظم العنوان والمؤلف، اسم المطبعة، مكان وتاريخ النشر، رقم الطبعة. هذه الطريقة ادت الى اختراع تقنيات ترتيب وتأريخ جديدة كما أشارت الى ذلك إيسونشتاين Eisenstein، بالاضافة الى المساعدة على تطوير، وسائل لضبط دقة الفهرسة وإنجاز بيبليوغرافيا مرقمة. عنصر اخر وجد في معظم الكتب المطبوعة آنذاك هو قائمة المحتويات مع ارقام صفحات العناوين الرئيسية والفرعية والتبويبات والفصول، تسمح باستعمال منظم وجيد للكتاب.

فرض اسلوب طباعة الجوائب قوانين طبع وتخريج الكتب جديدة، تتميز عامة بترك مسافة بين الاسطر ومساحة فراغ في الصفحات بين الفقرات تسهل اقلراءة على مستخدمها أحسن من المخطوطات العادية أو بعض الكتب المطبوعة قديما في فترات سابقة من نشاة المطبعة في العالم الاسلامي. الهوامش عريضة نسبيا، خالية من النجف والزخارف المذهبة والتعاليق، شملت التعديلات كذلك ترك مسافة أكبر بين الكلمة والاخرى في نفس السطر، وتناسب بين اللون الابيض للصفحات والاسود للحبر احسن بكثير مما هو عليه في المخطوطات او المطبوعات الاولى لمطبعة بولاق أو الكتب التركية القديمة. سهلت هذه العناصر القراءة ووصولها لأكبر عدد ممكن من الناس. لتصبح هذه القواعد هي أساس كل تصميم للكتب العربية في اقلرن العشرين.

لم تؤثر هذه التغيرات على الخط العربي واستطاع من خلال الطباعة الحفاظ على نفس النمط. الخط العربي يعتبر مقدسا عند المسلمين دفع بالتقنيين القائمين على تصفيف وتنضيد الحروف إلى فرض نوع من الرقابة الذاتية على انفسهم حرصا على تخريج الخط في أجود صورة ممكنة لتقترب من فنيات الخط العربي. نتج عن هذا الحرص انتاج خطوط بحجم كبير لكل الحروف مفردة ومركبة. ولأن العملية مكلفة جدا وصعبة قام التقنيون التيبوغرافيون ببعض التعديلات في نهاية القرن التاسع عشر لتسهيل العمل مع الحفاظ على وضوح وجمال الخط. لكن الكتابة بالخط العربي-على عكس الخط الروماني- لم تتمكن من وضع مقاييس جمالية خاصة بالخط المطبوع واحداث قطيعة كاملة مع تقاليد كتابة المخطوطات. ادت بعض التحديثات الجذرية في القرنين التاسع عشر والعشرين، إلى انتاج قوالب من أجل تصليح شكل الحروف عن طريق ظهور حروف خاصة بالطباعة مختلفة تماما ومع ذلك لم يتم اعتمادها من طرف المطابع.

 الصورة في عصر إعادة الطبع

تَأَخَّر تزويد الكتب العربية بالصور المطبوعة رغم تطور التقنيات الحديثة كالطباعة بالألوان ذات الأمواج القصيرة، مع ذلك يمكن أن نقسم أناوع التصوير في الكتب إلى صنفين: أولا النقش على الخشب والألواح الحجرية، استعملت خصوصا في الخرائط الطوبوغرافية، الرسوم التخطيطية، الصور التربوية أو تقنية. التي توجد احيانا في المخطوطات العربية، لكن قبل الطباعة كانت تتم عملية نقل المعلومات عن طريق الرسومات البيانية وترتكز في ذلك على دقة النساخ، الذين طلما اعتبروها مجرد تذييلات غريبة عن النص توضع في غير محلها او تنسى من طرفهم. تحسنت وضعية تلك الرسومات التوضيحية والبيانية مع ادخال المعايير العامة للرسوم البيانية في الكتب المطبوعة، مما غيّر طريقة نقل المعطيات التي تحتاج إلى رسوم بيانية. الصنف الثاني من الرسوم تشتمل على صور اضيفت الى الكتب المطبوعة بالتقنية الحجرية وهي عنصر مهم في الكتب الفارسية في القرن التاسع عشر، والتي كانت ترفق في نصوص أدبية أقدم منها. على الرغم من انها من منمنمة المخطوطات، إلا انه لوحظ أنها تنتمي الى الفن الشعبي أكثر منها الى ثقافة النخبة الخاصة بالبلاط وهو نفس الوسط الذي تنتمي اليه المخطوطات التي زينت بها تلك الرسوم. كما أنها ذات مواضيع حديثة-أحيانا-. مثال على ذلك منمنمة وجدت في ديوان شعري فارسي قديم طبع في طهران سنة 1847، الديوان نفسه طبع بالتقنية الحجرية. وتلك التي وجدت مع نص أوزباكستاني حجري يعود لسنة 1913، فيه منمنمة للغرامفون gramophone أهم اختراعات العصر.

في كلا الصنفين اعيد تصوير الرسوم بشكل يمكن نقلها واعادة تصويرها عدة مرات لتصل الى جمهور أوسع من ذلك الذي كان يطلع عليه في المخطوطات النادرة، كما ساهما في تطوير ونقل المعارف الفنية والتصويرية الى المتعلمين من المسلمين في القرنين التاسع عشر والعشرين.

نشرت المؤرّخة الزابيت ايشنشتاين سنة 1979 اول دراسة لها حول دور الطباعة في بداية العصر الاوروبي الحديث بعنوان الطباعة عامل تغيير (La presse imprimée, un facteur de changement) كما يبدو من العنوان فقد قدمت الدور الاساسي الذي لعبته الطباعة في التطور الحداثي في أروربا. نتج عن قولها هذا اتهامها من طرف مؤرخين بالحتمية التكنولوجية الكاذبة ليس فقط لتباين اختلافات تجارب المجتمعات غير الاوروبية، كتجربة العالم الاسلامي بحيث لم يشهد هذا الجزء من العالم نفس التطورات التي عرفتها اوروبا في نفس الفترة التاريخية.

قد تكون هذه حجة واهية ودليلا عقيما. انها مسألة أسباب ونتائج، نفس أحجية البيضة والدجاجة من انجب الاخر أو من منهما سبب وجود الآخر. هل ادى ابتكار جوتنبرغ للطباعة في القرن الخامس عشر إلى تغيرات ثقافية وفكرية؟ أم أن الثقافة الاوروبية، كانت مستعدة لذلك التغير ومهدت له، كما كانت الارضية التي ارتكز عليها وتبنته على نطاق واسع؟ لن تحل احجية كهاته لو بقينا نتناقش حولها زمنا طويلا، إذن من الافضل اعتبارهما نتائجا متبادلة، أو سلسلة متصلة من الاسباب والنتائج. الامر نفسه يطبق بالنسبة لدخول الطباعة إلى العالم الاسلامي: الفترة التي وصلت فيها والاحداث التي واكبت ذلك -كانت بكل تـأكيد- على علاقة بنموذج الثقافة المحلية والمؤثرات الخارجية. ولكن لمجرد ما اصبحت الطباعة أمرا واقعا بدأت تاثيراتها في البروز حتى وإن كانت بطريقة تختلف عن الطريقة والوتيرة التي حدثت بها في أوروبا. لكن عندما نلتفت الى نتائجها على المجتمعات فإن الاطار التحليلي لإيشنشتاين يصبح مفيدا جدا لذلك. لقد حددت ثلاث تغيرات رئيسية مرتبطة كلها بظهور واستعمال الطباعة: الاول التوزيع الكبير للنصوص. يبدو هذا منطقيا اذا ما نظرنا اليه من بعيد، ولكنه اهمل من طرف المؤرخين بشكل مثير للدهشة. لأنه وعلى سبيل المثال فإن مطابع متفرقة في اسطنبول خلال العشرين سنة من وجودها في القرن الثامن عشر تكون قد طبعت أكثر ما بين عشرة الى احدى عشر كتابا وزعت كلها على القراء، عكس ما يشاع عنها من أنها بقيت في فضاء محدود. وبعد ثورة المطبعة في العالم العربي في القرن التاسع عشر، تمت طباعة مئات الالاف من النصوص القديمة والحديثة وتوزيعها على القراء على مستوى اوسع بكثير مما كانت تصل اليه المخطوطات في العصور السابقة. أدى هذا في نفس الوقت إلى تحفيز الطباعة والتشجيع على تطور التعليم والادب في تلك الفترة.

إزدهار الكتاب المطبوع مكنه من تخطي حدود لم يُعْرَف لها مثيل في السابق. ليس فقط على مستوى تسويق العالمي للكتاب العربي، مثلا في الدولة العثمانية وخارجها، وإنما زادت من حجم الطلب على الترجمة. واصبح من يومها توزيع للافكار شمل تلك االفكار القادمة من خارج العالم الاسلامي، وإمكانية مهمة لانتقال ما يسمى بــ"العدوة المعرفية" عن طريق وصول انظمة معرفية واعتقادات كانت فيما سبق محصورة في ايطار ثقافي جد ضيق ومحدود. بالمقابل ساعد هذا على تطور الافكار والعلوم على نطاق موسع وممتد إلى ما لا نهاية، بدلا من الفضاءات المحدودة السابقة. مسار هذا التطور لا يتجه فقط إلى الانسنة والتحرر. فالطباعة استعملت كذلك في زيادة حركة النصوص التقليدية والافكار العتيقة، بما فيها الافكار الاكثر دوغمائية ومذهبية، لتصل بدورها إلى أكبر قدر من القراء. متجها نحو اصولية جديدة، بعضها مضادا للاتجاهات التقدمية التي سبقت الاشارة اليها.

 طباعة القرآن

باستثناء بعض المقتطفات الموجزة المستخدمة في التمائم المطبوعة ككتل واحدة، تاخرت طباعة القرىن باللغة العربية الى غاية سنة 1530، نشر مسيحوين من البندقية نسخة ناقصة وغير دقيقة. في حين ظهرت طبعات أخرى في كل من: هامبروغ Hambourg سنة 1694، بادوى Padoue في 1698 وسان باترسبورغ Saint-Pétersbourg 1787. رغم أن طباعة القرآن ظلت في العالم الاسلامي ممنوعة إلى غاية 1820-1830، عندما ظهرت أولى الطبعات في ايران.لكن اقدم الطبعات لا يمكن ضبطها لتعذر المصادر البيبلوغرافية، لكن وصول الطباعة الحجرية الى العالم الاسلامي أعطى دفعا قويا لطباعة القرآن، لأنها تتوفر على كل القواعد المهمة التي تتوفر عليها المخطوطات وتحافظ على نفس نمط الخط.

محاولة أخرى لطباعة القرآن في اوروبا، أحسن من سابقاتها، حققت من طرف المستشرق الالماني غوستاف فلوجلGustav Flügel وطبعت لأول مرة من طرف توتشنيتزTauchnitz في لايبزج Leipzig سنة 1834. وتعتبر أول نص مقبول يمكن الحصول عليه، وتتطابق بشكل معقول مع المخطوطات العربية. عرفت الطبعة بنمطيتها كما اعيد طبعها عدة مرات ووزع منها عدد كبير جدا وصلت الى العالم الاسلامي نفسه. ترقيم الآيات وبعض التفاصيل التي لا تتفق مع ما هو معمول به الأرتودوكسية الإسلامية، بينما ظلت الحاجة الى طبعات اسلامية أخرى. بينما عرفت بعض النشرات الحجرية المتفرقة في ايران، الهند، وتركيا شهرة متواضعة.

تواصل الصراع في مصر بين رجال الدين المحافظين الذين يرفضون تدنيس اسم الله عن طريق طباعته بحروف متحركة، وبين معلمي دين تقدميين يرون في الطباعة وسيلة لوضع القرآن في متناول الطلبة على الاقل.لم يمنع هذا الصراع من محاولات الطبع فس سنة 1830، لكن النسخ المطبوعة حضرت من طرف السلطات الدينية، في سنة 1850 وزعت بعض النسخ، بعد مراجعة كل نسخة على حدى من طرف مختص في القرآن، لتصحيح الأخطاء... عملية مكلفة جدا. ابتداء من 1860 توقفت نهائيا المطابع المصرية عن طبع القرآن بما فيها مطبعة بولاق، لكن استمرت في طبع التفاسير الكبرى للقرآن.

في اسطنبول بدأ الخطاط والحاجب العثماني زكي بك (ت.1888)، في طباعة مصاحف القرآن باستخدام معدات جديدة في الطباعة الحجرية تمتاز بقدرة نوعية لم يسبق له مثيل في استنساخ الخط العربي الكلاسيكي. ولأجل ذلك حصل على تصريح سريع من الخليفة-السلطان. وعرفت منشوراته شهرة واسعة في تركيا وخارجها. كما استخدمت الطابعة الحجرية التصويرية، التي أتاحت طباعة مصاحف صغيرة الحجم، صغيرة الى درجة يمكن حملها في قلادة- لم تتمكن اي تقنية أخرى تحقيق ذلك-. طبعت شركة جلاسجو لصاحبها دافيد كريس-المتخصصة في الكتب ذات الاحجام الصغيرة- طبعة منافسة لطبعة اسطنبول سنة 1900، حملها المسلمون المنظمين لصفوف المقاتلين في الحرب العالمية الاولى.

بداية القرن العشرين، في حين تم تجاوز اشكالية مقاومة طبع القرآن، بدات الحاجة إلى ظهور طبعة جديدة تصبح هي المرجع الأساسي تستجيب لمعايير التي حددها العلماء المسلمون. وقام بتحقيق هذه الطبعة علماء من الازهر في القاهرة سنة 1924. تم تنفيذها بدقة متناهية وتطابق مع قواعد النحو والاعراب والخط. سريعا ما فرضت هذه النسخة وعممت واعيد طبعها او طبع انطلاقا منها عدد كبير جدا من النسخ.

توفر نسخ القرآن بثمن زهيد وفي متناول شرائح واسعة من الناس، في طبعة موحدة مصادقة من طرف الازهر، لم يغير موقف الكثير من المسلمين من مسألة طباعة القرآن واستعمالاتها. فوظيفته لم تعد وظيفة شعائرية ودينية، بل أصبحت مصدرا مباشرا دون الحاجة الى تفسير العلماء وسلطتهم في القضايا التي تخص الناس. بعض هؤلاء القراء الجدد اعتمدوا الامواقف الأصولية فيما يتعلق بالمذهب القرآني، ادى إلى نتائج سلبية معتبرة على الفضائين االجتماعي والسياسي، في حين تخلى البعض االخر عن التفاسير التقليدية للقرآن واكتفوا بتفسيرات خاصة بهم عن طريق البحث عن موافقة بين الاخلاق القرآنية والحياة والسياسة الحديثة. المجموعة الثانية من التغيرات التي حددتها ايشنشتاين هي: ضبط النصوص وتوحيد معايير طبعها. ورغم اعتماد بعض الجهات على الطباعة الحجرية الا انها لم تتمكن من تطبيق تلك المعايير فاخرجت نشرات غير متجانسة وغير موحدة المعايير خاصة في تركيا والعالم العربي وهذا أثر سلبا على النصوص في حد ذاتها. رغم أن بعض النشريات القديمة لا تشتمل على القواعد الصارمة للنشر الا ان هناك ممارسة أخرى انتشرت بشكل موسع هي عملية جمع مختلف المخطوطات وضمها في طبعات مرجعية للنصوص الكلاسيكية بشكل يختلف قليلا عن النسخ التي كانت سائدة في عصر المخطوطات. كما عرفت النصوص الجديدة توحيدا للغة العربية فقد توقفت الكتابة باللهجات المحلية بعدما كانت قد بلغت أوجها في القرون السابقة. لهجات عرفت بركاكتها لعدم خضوعها لقواعد اللغة العربية الفصحى، من اجل كتابة نصوص جيدة تنافس النصوص المطبوعة والموجهة لجمهور عريض من المتعلمين حديثا. كما عرفت الكتابة الحديثة ببساطتها وسهولة عبارتها واصالتها وانتهى عصر ما كان يسمى بــــ"الحديقة السحرية" ذات التركيبات الأدبية الغامضة.

بعد محاولة أولية للعمل باختراع جوتنبرغ، ونشر كتب تحاكي في معظمها شكل المخطوطات، سرعان ما بدات تستقل بشكلها الخاص وأصبحت النصوص واضحة وسهلة للقراءة، بفضل تصميم الصفحات يراعى فيه المسافة الفاصلة بين الكلمات والاسطر في الصفحات والكتاب ككل، وجود عنوان بارز وقائمة محتويات، حذف الشروح والتعليقات الهامشية، خلق هذا "روحا جديدة" بتعبير ايشنشتاين، أدت هذه الروح الجديدة حتما إلى تغيير في عادات القارئ كما مهدت لظهور طبقات جديدة من القراء، كما أوجدت مقاربات وطرق جديدة للوصول الى المعرفة.

اما المجموعة الثانية من التغيرات الحاصلة في نظر ايشنشتاين، تتعلق بدور الطباعة في التحاور والنقاش بين النصوص. تعرض عدد كبير من النصوص والمخطوطات الاسلامية للضياع على مر العصور ومرد هذا إلى الاهمال أحيانا وإلى الإتلاف العمدي أحيانا أخرى. ولكن فضل الكتب المطبوعة انها بمجرد طبعها فإن الالاف من النسخ توزع، وبالتالي تتراجع احتمالات ضياعها. حتى بالنسبة للمخطوطات التي لم تضع أو تتلف ولكنها نادرة الوجود او توجد في نسخة مخطوطة واحدة فإن طبعها يمكن من انتشارها ووصولها إلى أكبر قدر ممكن من المتعلمين. هذا معناه من جهة أخرى، أن الجهد والوقت الذي كان يبذله العلماء في البحث والإبداع بدلا من نسخ المخطوطات القديمة فمن الاسهل الاطلاع عليها وهي مطبوعة. ومنه أصبحت هذا االنتاج الابداعي الحديث متاحا لشرائح كبيرة من القراء كما يحفظ لمن سيأتي بعدهم.

ساعدت وفرة الكتب مطبوعة للنصوص الادبية الكلاسيكية بالاضافة الى نشر النصوص الحديثة في القرن التاسع عشر على تشكيل وعي جديد خاص أو يمكن تسميته وعيا وطنيا الذي أدى على ميلاد النهضة العربية في ذلك العصر، استفادت هذه الحركة من الاعمال الجديدة كالمقارنات النصية التي لم تكن موجودة من قبل، أو إن وجدت كانت مقتصرة على طبقة العلماء ولم تعمم، فترة المخطوطات: بينما أمكن الاطلاع عليها في المجلات والدوريات. متزامنة مع تغيرات مماثلة حدثت في كل من: تركيا، ايران، ومناطق أخرى من العالم الاسلامي.

جيوفري روبر

 بيبليوغرافيا

‘Abd al-Razzâq (F.), Mamlakat al-kitâb: târîkh al-ṭibâ‘a fī’l-Maghrib 1865-1912 [The kingdom of the book: the history of printing in Morocco 1865-1912], trad.: Khālid bin al-Ṣaghîr, Rabat, 1996.
‘Affâs (B.F.), Tārīkh al-ṭibā‘a wa-’l-maṭbū‘āt al-‘Irāqīya [History of Iraqi printing and printed publications], Bagdad, 1985
Albin (M.W.), « An essay on early printing in the Islamic lands with special relation to Egypt », in Mélanges de l’Institut Dominicain d'Études Orientales du Caire (MIDEO), 18 (1988), p. 335-344.
Avakian (H.A.), « Islam and the art of printing », in Uit bibliotheektuin en informatieveld, Utrecht, 1978, p. 256-269.
‘Azab (Kh.) & Mansûr (Aḥ.), Al-kitâb al-‘Arabî al-maṭbû‘ min al-judhûr ilâ Maṭba‘at Bûlâq [The Arabic printed book, from its roots to the Būlāq Press], Le Caire, 2008.
Bâbâzâdah (Sh.), Târîkh-i châp dar Îrân [History of printing in Iran], Teheran, 1999.
Ben Cheikh (A.), Production des livres et lecture dans le monde arabe. Paris, Unesco, 1982.
Boogert Maurits (H.van den.), « The sultan's answer to the Medici press? Ibrahim Müteferrika's printing house in Istanbul », in Alastair Hamilton, Maurits H.van den Boogert, Bart Westerweel (eds), The Republic of Letters and the Levant, Leiden 2005, p. 265-291.
Borrmans (M.), « Observations à propos de la première édition imprimée du Coran à Venise », in Quaderni di Studi Arabi, 8 (1990), p. 3-12.
Carter (T.F.), The invention of printing in China and its spread westward, 2nd ed., rev. L.C.Goodrich, New York, 1955.
Demeerseman (A.) :
« Une étape importante de la culture islamique: une parente de-
l'imprimerie arabe et tunisienne, la lithographie », in IBLA, 16 (1953), p. 347-389 (also a published separately, Tunis 1954).
- L'imprimerie en Orient et au Maghreb : une étape décisive de la culture et de la psychologie islamiques. Tunis 1954, (précédemment publié dans : IBLA, 17
(1954).
Dumont (P.), éd., Turquie : livres d'hier, livres d'aujourd'hui, Strasbourg & Istanbul 1992.
Eersoy (O.), Türkiye’ye matbaanın girişi ve ilk basılan eserler [Introduction of the printing press to Turkey and the first printed works], Ankara, 1959.
Gdoura (W.), Le début de l’imprimerie arabe à Istanbul et en Syrie : évolution de
l'environnement culturel (1706-1787), Tunis, 1985.
Gerçek (S.N.), Türk matbaacılığı. 1, Müteferrika matbaası [Turkish printing. 1, The Müteferrika press], Istanbul, 1939.
Hamman (M.Y.), « History of printing in Egypt », in Gutenberg Jahrbuch, 1951, p.156-159.
Ḥammûda (H.‘A.), Târîkh al-kitâb al-Islâmî [History of the Islamic book], Cairo, 1979.
Hanebutt-Benz (E.), Glass (D.), Roper (G.), eds., Middle Eastern languages and the print revolution: a cross-cultural encounter = Sprachen des Nahen Ostens und die Druckrevolution: eine interkulturelle Begegnung, Westhofen, 2002.
Ibn Junayd (Y.M.), Al-ṭibâ‘a fī shibh al-jazîra al-‘Arabîya fī ’l-qarn al-tâsi‘ ‘ashar al-Mîlâdî (1297-1317 H) [Printing in the Arabian peninsula in the 19th century], Riyadh, 1998.
İhsanoglu (E.) & Aynur (H.), « The birth of the tradition of printed books in the Ottoman Empire: transition from manuscript to print (1729-1848) », in Archivum Ottomanicum, 24 (2007), p.165-196.
Káldy -Nagy (G.), « Beginnings of the Arabic-letter printing in the Muslim world », in Káldy-Nagy (ed.), The Muslim East: studies in honour of Julius Germanus, Budapest, 1974, p. 201-211.
Kreiser (K.), ed., The beginnings of printing in the Near and Middle East: Jews, Christians and Muslims, Wiesbaden, 2001.
Kabacali (A.), Türk yayın tarihi (başlangıçtan Tanzimat’a kadar) [History of Turkish publishing (from the beginning to the Tanzimat)], [Istanbul], 1987.
Mahdi (M.), « From the manuscript age to the age of printed books », in George N. Atiyeh (ed.), The book in the Islamic world, Albany (USA) , 1995, p. 1-15.
Marzolph (U.) :
Das gedruckte Buch im Vorderen Orient, Dortmund, 2002.
Narrative illustration in Persian lithographed books. Leiden 2001.
« Persian incunabula: a definition and assessment », in Gutenberg-Jahrbuch, 82 (2007), p. 205-220.
Muhaydî (M.S.), Târîkh al-ṭibâ‘a wa 'l-nashr bi-Tûnis, Tunis, 1965.
Nadwat Târîkh al-ṭibâ‘a al-‘Arabîya ḥattá intihâ’ al-qarn al-tâsi‘ ‘ashar … 1416 H. … 1995 M.: al-waqâ’i‘ wa-’l-buḥûth allatî ulqiyat fīhâ [Symposium on the History of Arabic printing up to the end of the 19th century, 1995: documents and studies delivered], Abu Dhabi, 1996.
Nasrallah (J.), L’imprimerie au Liban, Beyrouth, 1948.
Nusayr (‘A.I.), Ḥarakat nashr al-kutub fī Miṣr fî ’l-qarn al-tâsi‘ ‘ashar [The book publishing movement in Egypt in the 19th century], Le Caire, 1994.
Pedersen (J.), Den Arabiske bog, Copenhague, 1946, trad. angl. G. French: The Arabic book, R. Hillenbrand (ed.), Princeton UP, 1984.
Pehlivanian (M.), Exotische Typen: Buchdruck im Orient – Orient im Buchdruck, Berlin, 2006.
Proudfoot (I.):
« Early Muslim printing in Southeast Asia », in Libri, 45 iii-iv (1995), p.216-223
« Mass producing houri’s moles, or aesthetics and choice of technology in early Muslim book printing », in P.G. Riddell & T. Street (eds) Islam: essays on scripture, thought and society, Leiden 1997, p. 161-184.
« Lithography at the crossroads of the East », in Journal of the Printing Historical Society, 27 (1998), p.113-131.
Ridwân (A.F.), Târîkh Maṭba‘at Bûlâq [History of the Būlāq Press], Le Caire, 1953.
Robinson (F.):
« Technology and religious change: Islam and the impact of print », in Modern Asian Studies, 27 i (1993), p. 229-251.
« Islam and the impact of print in South Asia », in Nigel Crook (ed.), The transmission of knowledge in South Asia: essays on education, religion, history, and politics, Delhi, 1996, p. 62-97.
Roper (G.):
« Fâris al-Shidyâq and the transition from scribal to print culture in the Middle East », in George N. Atiyeh (ed.), The book in the Islamic world, Albany (USA), 1995, p. 209-231.
« The printing press and change in the Arab world », in Sabrina Alcorn Baron, Eric N. Lindquist & Eleanor F. Shevlin (eds), Agent of change: print cultural studies after Elizabeth Eisenstein », Amherst & Boston, 2007, p. 250-267.
Ṣâbât (K.), Târîkh al-ṭibâ‘a fī’l -Sharq al-‘Arabî [History of printing in the Arab East], 2e éd., Le Caire, 1966.
Sabev (O.) :
Първото Османско пътешествие в света на печатната книга (1726-1746), Sofia, 2004, trad. turque Orhan Salîh : İbrahim Müteferrika ya da ilk Osmanlı matbaa serüveni (1726-1746), Istanbul, 2006.
« The first Ottoman Turkish printing enterprise: success or failure? », in Dana Sajdi (ed.), Ottoman tulips, Ottoman coffee: leisure and lifestyle in the eighteenth century, London, 2007, p. 63-89; 188-194.
Sadgrove (Ph.):
Ed., History of Printing and Publishing in the Languages and Countries of the Middle East, Oxford, 2004.
Printing and Publishing in the Middle East, Oxford, 2008.
Schaefer (K.), Enigmatic charms: medieval Arabic block printed amulets, Leiden, 2006.
Shaykhû (L.), Târîkh fann al-ṭibâ‘a fī’l-Mashriq [History of the art of printing in the Arab East], Beyrouth, 1900-02, rp. 1995.
ЩЕГЛОВА (О.П.), Иранская литографированная книга, Moscou, 1979.
Skovgaard-Petersen (J.), ed., The introduction of the printing press in the Middle East, Oslo, 1997, (Culture & History, 16).
Szyliowicz (J.S.), « Functional perspectives on technology: the case of the printing press in the Ottoman Empire », in Archivum Ottomanicum, 11 (1986), p. 249-259, repris dans : Ekmeleddin İhsanoğlu (ed.), Transfer of modern science & technology to the Muslim world, Istanbul, 1992, p. 251-260.
Ṭanâhî (M.M.), Al-kitâb al-maṭbû‘ bi-Miṣr fî ’l-qarn al-tâsi‘ ‘ashar: târîkh wa-tahlîl [The printed book in Egypt in the 19th century: history and analysis], Le Caire, 1996.
Walther (K.K.), « Die lithographische Vervielfältigung von Texten in den Ländern des Vorderen und Mittleren Orients », in Gutenberg-Jahrbuch, 65 (1990), p. 223-236.